نادين لبكى مخرجة لبنانية متميزة وفازت بجائزة لجنة التحكيم فى مهرجان كان الدولى الأسبوع الماضى عن فيلم «كفر ناحوم». الفيلم تأليف جهاد حجيلى، وتدور أحداثه حول حياة طفل فى أرض عربية تعصف بها أزمات ومشاكل طاحنة، لكنه يرفض الاستسلام لهذا الواقع، ويقرر التمرد على نمط الحياة فى قريته، بل ويرفع دعوى قضائية للضغط على الحكومة ومجتمعه بشكل عام لتنفيذ مطالبه.
هذه جائزة رفيعة ومتميزة، وهى ليست فقط لها كمخرجة أو لبلدها لبنان، بل للسينما العربية بأكملها. وبالتالى فأى مواطن عربى عاقل سوف يفكر بهذه الطريقة، ويفرح لهذا الإنجاز، الذى حققته لبكى وفريقها الذى أنجز الفيلم، ولن يغضب منه إلا المتعصبون والمتطرفون وكارهو الفن والثقافة و«حاشرو الدين» فى ركن ضيق للغاية.
بعد هذه الجائزة الكبيرة فوجئ كثيرون بأن بعض أنصار حزب الله اللبنانى مستاءون من هذه الجائزة ومن الذين فرحوا بها. بعضهم غرد وكتب مستنكرا الاحتفال بالجائزة قائلا: الفرح الحقيقى يكون بالبطولات التى يحققها مقاتلو حزب الله، الذين يخوضون قتالا فى سوريا، ضد المتطرفين، وضد «العدو الصهيونى».
كانت مفاجأة مؤسفة أن نسمع ذا الكلام، وكأن هناك تناقضا بين أن تقاتل فى سبيل قضية تؤمن بها، وأن تبدع وتقدم فنا راقيا ممتعا يمكن أن يساعدك فى كل قضاياك.
ثم إن مشاركة حزب الله فى القتال داخل سوريا محل اختلاف شامل داخل لبنان وخارجه. البعض يعتبره إذكاء للصراع الطائفى السنى الشيعى فى المنطقة، فى حين أنه لا يوجد عاقل يمكن أن يختلف على قيمة فوز لبنان بجائزة مهمة فى مهرجان كان السينمائى.
كل العرب أو غالبيتهم وقفوا مع حزب الله حينما كان يتصدى للاحتلال الإسرائيلى، وتمكن من تحرير الجنوب البنانى، لكنهم انقسموا بشأنه بعد أن صار للأسف يركز معظم نشاطه فى الخندق الطائفى خلف إيران، وصار وجهه طائفيا أكثر منه قوميا عروبيا.
يحسب للحزب رسميا أنه أصدر توضيحا لاحقا يتبرأ فيه مما قاله بعض كوادره وأنصاره، بعد أن أدرك خطورة هذه التعليقات الفجة.
الذى دعانى للكتابة فى هذا الموضوع اليوم، أننى كنت ضيفا على لقاء جماهيرى بإحدى المحافظات قبل نحو أسبوعين.
أحد الحاضرين سألنى: لماذا لا نوقف المسلسلات والأفلام والأغانى، ونوجه أموالها لصالح المدرسين؟!.
اندهشت من هذا القول لأنه ينظر للفن باعتباره شيئا تافها لا قيمة له، لكن تذكرت أن هذا الرأى ليس فرديا، بل موجود لدى كثيرين للأسف، خصوصا بين المتعصبين أو المنغلقين دينيا.
قلت له إن المطلوب أن يحصل المدرسون على أفضل الرواتب، والحوافز، حتى يقدموا أفضل تعليم للتلاميذ والطلاب، لكن هذه الرواتب لا ينبغى أن تكون خصما من الميزانيات المختلفة المخصصة للفن والأدب والثقافة عموما.
قلت له أيضا إن مسلسلا أو فيلما أو أغنية جيدة ومؤثرة يمكنها أن تترك أثرا لا يتركه ألف مدرس أو مهندس أو طبيب أو إعلامى مجتمعين. ونتذكر مثلا أعمالا مهمة جدا مثل رأفت الهجان أو ليالى الحلمية أو الشهد والدموع وأغانى أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم وفيروز وشادية ومحمد منير وعمرو دياب، والمئات غيرهم.
ثم إنه لا يوجد من الأصل منافسة وصراع بين الجانبين حتى نختار أحدهما ونترك الآخر، فكل يؤدى فى مجاله.
حكيت له أنه حتى داعش لديها آلة دعائية تلجأ أحيانا إلى استخدام الفنون. وقلت له إنه لا يوجد فن حلال أو حرام، بل فن جيد وممتع وهادف، وفن تافه وهابط ومنحط.
حكيت له وللسادة الحاضرين أيضا كيف أن هناك مجموعة قليلة من الأغنيات تم إنتاجها فى الخمسينيات والستينيات ما زلنا نلجأ إليها حتى الآن فى استثارة الروح المعنوية للمواطنين.
الرجل لم يقتنع بكلامى كثيرا وهو بالمناسبة شديد التدين. ويعتقد أن الفن بصفة عامة ليس له قيمة كبيرة، مع نظرة أسوأ للمرأة خصوصا إذا كانت تعمل فى هذا المجال.
الذى جعلنى أربط بين ما قاله هذا الرجل، وما فعله بعض أنصار حزب الله، هو أن التطرف ملة واحدة وأنصاره متشابهون وموجودون فى كل الطوائف والأديان السماوية والوضعية، وهم منغلقون وينظرون للعالم من زاوية ضيقة، «وربنا يبعد شرهم عنا»!!.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع