مساء الثلاثاء الماضى، ركبت تاكسى من شارع التحرير بالدقى إلى ميدان لاظوغلى بوسط البلد، السائق تعرف علىَّ، وقال لى: «أنت صحفى وأشاهدك بالتليفزيون، وأحملك رسالة إلى الرئيس والحكومة وكل المسئولين، أرجوك قل لهم إننا لم نعد قادرين على تحمل الأوضاع بعد زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق». قلت له: ولكنك تملك سيارة تاكسى، فكيف تتضرر من زيادة أسعار المترو؟!».
رد بقوله: «أنا أعمل على التاكسى ولست مالكه، وأستخدم المترو يوميا، وكذلك معظم أفراد أسرتى. صار مطلوبا من اثنين من الأولاد ٢٨ جنيها يوميا بدلا من ثمانية، لأنهم مضطرون لقطع مسافة طويلة من المنزل إلى أعمالهم. مرتباتهم ضئيلة جدا. وتذكرة المترو كانت معقولة «وحنينة»، فماذا أفعل؟!
فى ثانى يوم للزيادة قابلت سيدتين فى مصعد العمارة التى أقيم فيها. قبل أن أقول صباح الخير. كانت الأسئلة تنهال من السيدتين كالطلقات السريعة: والله حرام.. هنعمل إيه.. قول للمسئولين الذين تعرفهم إن حياتنا صارت صعبة ومستحيلة.. إزاى يرفعوا أسعار تذاكر المترو بعد أقل من شهر من رفع مرتبات الوزراء؟!
فى اليوم الثالث قابلت دكتورة بجامعة إقليمية، قالت لى: «راتبى نحو ستة آلاف جنيه، ورغم ذلك، شعرت بزيادة الأسعار». هى تستقل المترو من ثلاث إلى خمس مرات أسبوعيا سواء لركوب أتوبيس الجامعة من منطقة الإسعاف بوسط البلد، أو لتوصيل أولادها للنادى الأهلى ومنطقة الدقى. وأحيانا يتحرك أولادها بالمترو كثيرا، حتى يوفروا استخدام السيارة الخاصة بسبب ارتفاع أسعار البنزين. قلت لها ولكن مرتبك معقول والمفروض ألا تشكين مثل الذين يحصلون على راتب ألف جنيه؟!
ردت بقولها: ليس صحيحا، المرتب بالكاد يكفى الحاجات الأساسية، وحينما ترتفع التذكرة من ٥٠٪ إلى ٢٥٠٪ فهو أمر يؤثر على كل البنود. تضيف: «طبعا أحمد الله لأن وضعى أفضل بكثير من آخرين، لكن والله تأثرت كثيرا».
فى اليوم نفسه وبينما كنت أشترى بعض الخضراوات والفاكهة من السوق الموجودة أمام محطة مترو سعد زغلول، شكا لى أحد البائعين من الزيادة. هو صار يدفع خمسة جنيهات بدلا من اثنين، فى حين أن راتبه الذى يتقاضاه أسبوعيا يكاد يكفيه للأكل والشرب فقط، وإذا مرض تكون أزمته كبيرة.
النماذج الأربعة السابقة تمثل شرائح مختلفة تركب المترو بصفة شبه يومية. وكلماتهم تعكس الواقع الصعب الذى يشعر به الجميع.
يوم الأربعاء الماضى قابلت وزيرا مرموقا فى الحكومة، ونقلت له هموم وشكاوى وأنين الناس. الرجل قال بالطبع نقدر كل ذلك، ونحن وسط عملية إصلاح اقتصادى، والمؤكد أنها ستصيب البعض بأضرار مختلفة، والهدف إنقاذ المترو، حتى لا نتفاجأ بخروجه من الخدمة. فى تقدير الوزير أنه جرى تضخيم الزيادة، فالمترو موجود فى القاهرة الكبرى فقط، ومن يستخدمونه فيها، أقل من ١٠ إلى ١٥٪، هم الذين سيدفعون التذكرة الكاملة طول الخط بسبعة جنيهات.
ولو أن هذا الراكب الذى يدفع الجنيهات السبعة، فكر فى قطع نفس المسافة من المرج إلى حلوان فقد يدفع أكثر من مائة جنيه للتاكسى العادى أو أوبر أو يدفع أكثر من عشرين جنيها إذا ركب ميكروباص لهذه المسافة. ولو أنه استقل توك توك لمسافة محطة أو محطتين فلن يدفع أقل من خمسة جنيهات.
من وجهة نظر الوزير فإن الزيادة ورغم أنها تؤثر على الركاب إلا أنها حتمية حتى لا ينهار المترو وتستمر خدمته.
قلت للوزير لكن هناك دعم يفترض أن تقدمه الدولة للمواصلات العامة؟!. رد بقوله: «هو موجود وتكلفة التذكرة الكاملة نحو ١٦ جنيها يدفع منها المواطن سبعة جنيهات فقط، كما اننا ندعم بقوة تذاكر الطلاب وذوى الاحتياجات الخاصة وكل من تعدى الستين.
تلك هى الصورة الموجودة فى الشارع. شكاوى حقيقية وأنين من المواطنين الذين صدموا بالزيادة الجديدة، وجعلت بعضهم «يكلم نفسه»، وبين وجهة نظر الحكومة التى تقول: «العين بصيرة والإيد قصيرة»!
السؤال مرة أخرى: كيف يمكن التوفيق بين وجهتى النظر وحل هذه المعضلة؟!
لا بديل عن زيادة الإنتاج وتوفير فرص العمل ومقاومة الفساد، وأن تصل رسالة واضحة للمواطنين أن الحكومة استنفدت كل الخطوات قبل قرار رفع أسعار تذاكر المترو.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع