بقلم: عماد الدين حسين
قبل أيام قليلة تواصلت مع دبلوماسى عربى مرموق زار لبنان فى الأيام الأخيرة عقب الانفجار الذى دمر ميناء لبنان مساء يوم الرابع من أغسطس الجارى.
سألت هذا الدبلوماسى الكبير سؤالا محددا: هل الدول العربية والأوروبية وغيرها التى زار مسئولوها لبنان وتعاطفوا معه، سوف يدفعون أموالا ويقدمون مساعدات لإعادة ما دمره الانفجار، والأهم إعادة تقويم الاقتصاد اللبنانى الذى يعانى من أمراض مزمنة وربما تكون مستعصية؟!
إجابة هذا المسئول كانت حاسمة: لن يتم تقديم ولو دولارا واحدا إلى لبنان، ما لم تتغير المعادلة السياسية القائمة حاليا، والتى صار حزب الله هو المتحكم الأول فى مجريات أمورها، وبالتالى فالشرط الأول لإعمار لبنان هو أن يرفع حزب الله يده عن البلد.
وفى تقدير المسئول فإن حزب الله هو من يمنع المساهمة الخارجية من المساعدة فى الاستثمار الرأسمالى.
هناك دول أوروبية وعربية كثيرة تريد أو يمكنها الاستثمار فى لبنان، لكنها لن تفعل طالما ظلت المعادلة بالشكل الراهن. هى تقول ما الذى سيجبرنا على ضخ المليارات من أجل تعظيم دولة حزب الله فى لبنان، وبالتالى تضخيم الدور الإيرانى.
التقديرات المبدئية لإعادة إعمار ما دمره الانفجار يتراوح ما بين خمسة إلى عشرة مليارات دولار حسب تقديرات المسئولين وهناك من يصل بالمبلغ إلى ٢٥ مليارا، لكن هناك مشكلة أعمق تتعلق بالاقتصاد اللبنانى نفسه، حيث يعانى من مشاكل هيكلية جعلت البلاد تقترب من الإفلاس وتعجز عن سداد ديونها، التى وصلت إلى رقم قياسى حيث تجاوزت ١٧٥٪ من الناتج المحلى الإجمالى، وصاحب ذلك انهيار كبير لسعر الليرة مقابل الدولار، وعجز البنوك عن رد ودائع المواطنين، ومشاكل حياتية صعبة خصوصا ارتفاع غالبية السلع الأساسية.
هذا الوضع الشائك يحتاج إلى استثمارات عربية وأجنبية ضخمة والمرشح لذلك إما استثمارات خليجية وإما أوروبية وإما أمريكية، وهذه الاستثمارات تحتاج إلى وضع سياسى مستقر ومتوافق عليه، وليس بلدا على كف عفريت.
سألت الدبلوماسى العربى: ألا توجد أطراف أخرى يمكن أن تستثمر فى لبنان بخلاف الخليجيين والأوروبيين؟!.. قال نعم هناك أطراف يمكنها أن تفعل ذلك، لكن الثمن سيكون كبيرا أيضا.
على سبيل المثال هناك الصين لديها فوائض مالية كثيرة، ويمكنها أن تذهب للاستثمار هناك كما تفعل فى أماكن كثيرة، لكنها سوف تذهب لأهداف اقتصادية بحتة. على سبيل المثال ستقول لهم مثلا: سوف أنفذ لكم مشروعات كبرى وأضخ ٨ مليارات دولار، منها خط سكة حديد يربط لبنان بميناء أم قصر العراقى على الخليج مرورا بسوريا، على أن يدخل ذلك ضمن المشروع الاستراتيجى الصينى الكبير أى «مشروع الحزام والطريق».
وكما نعلم فإن الولايات المتحدة بدأت تطارد الاستثمارات الصينية فى العديد من المناطق بالعالم من إسرائيل إلى أوروبا. هناك نظريا استثمارات إيرانية، لكن طهران نفسها تعانى من أوضاع اقتصادية صعبة للغاية لأسباب كثيرة منها العقوبات الأمريكية.
المعضلة كما يقول الدبلوماسى العربى أن مجمل التطورات فى لبنان والمنطقة خلال السنوات الماضية، جعلت حزب الله هو المتحكم الفعلى فى القرار اللبنانى، وصار يتصرف كأنه مالك الدولة الوحيد، بل يتدخل فى الحرب السورية وبقية صراعات المنطقة بصورة منفردة، ويورط لبنان فى كل مشاكل المنطقة.
الحزب وحلفاؤه لم يعودوا قادرين على حل المشكلات الصعبة التى تواجه لبنان، وجاء الانفجار الأخير ليكشف كل المشكلات مرة واحدة.
انتهى كلام الدبلوماسى العربى الذى زار لبنان قبل أيام. والمؤكد أن هناك معضلة حقيقية. لكن كيف يكون الحل؟!
الحل ألا يصبح لبنان امتدادا لطهران، لكن ألا يصبح أيضا امتدادا لواشنطن أو تل أبيب، أو أى عاصمة أخرى، إقليمية أو دولية. ويتحقق ذلك حينما تتوقف الطبقة السياسية الحاكمة من كل الطوائف عن التصرف بهذه الأنانية المفرطة، وأن يضغط اللبنانيون العاديون من أجل قانون انتخاب مدنى حقيقى يلغى الطائفية أو على الأقل يخفف من وطأتها. هذا الحلم ليس سهلا وسيحتاج إلى وقت، لأن القوى المستفيدة من هذا التردى سوف تدافع عن مكاسبها أو امتيازاتها حتى النفس الأخير.