رجل الأعمال الكبير المهندس نجيب ساويرس قال يوم الثلاثاء الماضى إنه يتجه لتحويل نصف ثروته إلى الذهب بسبب ما أسماه «أزمة خطيرة محدقة بالعالم».
هو قال لوكالة بلومبيرج الأمريكية ــ التى قدرت صافى ثروته بـ٥٫٧ مليار دولار ــ إن أسعار أوقية الذهب تبلغ الآن ١٣٠٠ دولار، ويتوقع أن تصل إلى ١٨٠٠ دولار قريبا، وتفسيره لهذه الخطوة المفاجئة «أننا نعيش حاليا فى أزمات عديدة ويمكنك أن تنظر إلى الشرق الأوسط وبقية العالم والرئيس ترامب لا يساعد على الحل أبدا».
العالم على كف عفريت فعلا، وإذا كانت هناك بارقة أمل بعد لقاء زعيمى كوريا الشمالية والجنوبية، فإن المأساة يمكن أن تحدث هنا فى منطقتنا وإقليمنا، إذا قررت إسرائيل وخلفها ترامب، شن حرب على إيران سواء بطريقة مباشرة، أو استنزافها فى سوريا. الطبيعى ايضا أن بعض رجال الأعمال والمستثمرين سواء أكانوا كبارا أم صغارا، سيفكرون مليون مرة، قبل أن يتخذوا قرار الاستثمار فى المنطقة العربية، إلا إذا كانت عوائد الاستثمار مضمونة مليارا فى المائة.
طبعا من حق ساويرس أو أى مستثمر أن يختار الأداة أو الطريقة التى سيستثمر بها أمواله، وفى أى مكان يرغب. وبالتالى فإن أكثر ما أخشاه أن تتزايد عوامل القلق فى منطقتنا، فيتجه كثيرون إلى تحويل استثماراتهم المباشرة إلى شراء الذهب، باعتباره مخزن قيمة مضمونا بعيدا عن المغامرة و«وجع الدماغ».
هل نحن معرضون فى مصر لنفس المشكلة؟! المؤكد أن الإجابة هى نعم، وإلا ما أقدم ساويرس على خطوته، أو لقام باستثمار أمواله فى أى مشروعات داخل مصر الآن؟!
إذا السؤال الجوهرى هو: كيف يمكن للحكومة وسائر أجهزة الدولة أن تقنع أكبر عدد ممكن من المستثمرين الجادين بالاستثمار داخل مصر، بدلا من بيع مصانعهم مثلا وتحويل الأموال السائلة إلى ذهب أو حتى وضعها كودائع تدر عليهم عائدا يصل إلى ١٧٪؟!.
لو كنت مكان الحكومة والرئاسة لسارعت بتوجيه أكثر من رسالة علنية وواضحة إلى المستثمرين الجادين فى القطاع الخاص، بأن الدولة تدعمهم فعلا وليس بمجرد الكلام.
لماذا أقول ذلك؟!
لسبب بسيط هو وجود إحساس لدى البعض المستثمرين بعدم الأمان، لأسباب متعددة.
سمعت البعض يشكو من أن الحكومة، تقول لهم كلمات معسولة، لكن على أرض الواقع فإن المعاملة صعبة بسبب الروتين القاتل، إضافة إلى عامل الفساد الذى «يطفش» أى مستثمر جاد، ويلتهم أى هامش ربح حلال يمكن أن يحصل عليه.
لكن المشكلة الأكبر هى إحساس البعض الآخر بغياب أى قواعد عادلة للمنافسة فى السوق، فعندما يتنافس القطاع الخاص مع مؤسسات الحكومة، التى يتم إعفاؤها أحيانا من الضرائب أو الجمارك أو الرسوم، فإن ذلك يتسبب فى انعدام المنافسة تماما. وأعرف أن هذا الأمر كان مثار حديث بين الحكومة المصرية وبعض خبراء هيئات التمويل الدولية.
سيقول البعض إن القطاع الخاص «طماع ومحتكر وحرامية». حسنا طبقوا القانون بعدالة على الجميع، واستبعدوا أى طماع أو محتكر أو لص، بل أدخلوه السجن طبقا للقانون، لكن شجعوا المستثمر الجاد، وسهلوا له كل شىء.
يوم السبت الماضى قالت وزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد إن الدول تستهدف توفير ٧٥٠ ألف فرصة عمل فى العام المالى الحالى، تزيد إلى ٨٥٠ ألف فرصة عمل فى العام المالى القادم «٢٠١٨ ــ ٢٠١٩». والسؤال: أليس القطاع الخاص يلعب دورا مهما فى هذا الشأن، وينفذ نحو ثلثى الأعمال فى مصر؟! إذا كان الأمر كذلك فإن من مصلحة الحكومة، أن تدعم فعلا أى مستثمر جاد بكل الطرق، لأن جوهر المشكلة الاقتصادية فى مصر، هى فى غياب فرص عمل إنتاجية حقيقية.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع