بقلم: عماد الدين حسين
«ما اجتمع صحفيان أو إعلاميان عربيان.. إلا وكانت هموم المهنة ثالثهما!». هذا ما لمسته فى منتدى الإعلام السعودى الأول فى الرياض يومى الإثنين والثلاثاء الماضيين. ولمسته قبل ذلك فى منتدى دبى للإعلام، ومنذ أسابيع فى منتدى إعلام مصر الذى ينظمه النادى الإعلامى الدنماركى.
حال الإعلام العربى بصفة عامة، لا يسر حبيبا، لكنه يسر كل الأعداء. هذا الأمر لا ينسحب على دولة معينة، بل ربما هو مرض شامل أصاب كل الإعلام العربى إلا قليلا.
من سوء حظ هذا الإعلام أن المصائب والنوائب قد تكالبت عليه بصورة غير مسبوقة فى وقت واحد، غالبية هذا الإعلام سواء كان صحفا ورقية أو مواقع إلكترونية أو قنوات فضائية وأرضية، تلقى ضربات موجعة فى السنوات الأخيرة، تمثلت فى أزمة اقتصادية غير مسبوقة دفعت الغالبية إلى التقشف، ثم قلة المردود الإعلانى اللازم لضخ الدماء فى شرايين هذا الإعلام. وأخيرا وهذا هو الأخطر تضييق حكومى غير مسبوق، جعل المحتوى فارغا والتنوع معدوما، فكانت حصيلة العوامل الثلاثة إعلاما متشابها ضعيف المحتوى، ثم تقشفا غير مسبوق، وإنهاء خدمات العاملين والموظفين والمحررين، بل وإغلاق العديد من الصحف والفضائيات، وانصراف القراء والمشاهدين إلى وسائل إعلام خارجية بعضها مشبوه.
ربما كان حال وسائل الإعلام الخليجية أفضل نسبيا لأن الحكومات ما تزال تضخ المال بصفة مستمرة، رغم أن هذا الضخ قد تراجع، وبعض الصحف الخليجية بدأت تتضرر، وسمعت من زملاء مسئولين فى بعض هذه الصحف، أنهم توقفوا تماما عن استقدام أى عاملين أو محررين من الخارج بسبب الأزمة الاقتصادية. ومن يتم إنهاء عمله يستبدل بأحد أبناء الدولة، أو المقيمين فيها.
فى الجلسات وعلى موائد الطعام، سمعت العديد من الحكايات والقصص، من زملاء فى صحف عربية مختلفة فى المشرق والمغرب، وحينما تتأمل جوهر هذه القصص، تكتشف أنها واحدة تقريبا، مع اختلاف التفاصيل. لا أحد مستريح تقريبا. الشباب فى هذه المهنة يبحثون عن الحد الأدنى من متطلبات الحياة. بعضهم لا يحصل على راتبه، وبعضهم يحصل على نصفه، وبعضهم يحصل عليه بعد شهر أو شهرين وربما عدة أشهر. هذا الأمر يدفعهم إلى البحث عن فرص عمل فى وسائل إعلام أخرى يطلق عليها مجازا «السبوبة أو النحتاية». وبعضهم يعمل فى ثلاث جهات، صحيفته الأصلية صباحا، وموقع إلكترونى مساء، ومعد فى فضائية ليلا، من أجل أن يلبى الحد الأدنى من ضرورات الحياة!!
هذه الدوامة لا تتيح لهذا الصحفى أو الإعلامى أن يجد وقتا كى يقرأ كتابا أو يشاهد فيلما أو مسرحية، أو حتى لممارسة حياته الاجتماعية الطبيعية مع أهله وأصدقائه وزملائه. يستيقظ مبكرا ويعود لمنزله متأخرا. والنتيجة الفعلية أنه لن يطور نفسه مهنيا أو إنسانيا، وهو ما يفسر لنا سر التراجع الخطير فى المستوى المهنى للعدد من الإعلاميين العرب.
الجيل الأوسط يشبه الطبقة الوسطى فى البلدان العربية، هبط إلى الطبقة الأدنى، وصار يصارع من أجل مرتب معقول يسد مصروفات المنزل، وأقساط المدرسة أو السيارة أو الشقة.
أما الجيل الأكبر، فمشكلته الرئيسية مع بقية الأجيال هى غياب الحريات، التى جعلت صحفهم وفضائياتهم متشابهة، ومن دون أى تميز، وبالتالى انسحب منها القراء والمشاهدون، إما إلى وسائل إعلام أجنبية أو متطرفة، أو زهقوا من الإعلام بأكمله وفضلوا الترفيه فقط، ومشاهدة مباريات كرة القدم للأندية الكبرى فى إنجلترا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا.
غالبية من استمعت إليهم من الزملاء الصحفيين العرب، يقولون إن المشكلة الاقتصادية خطيرة، لكن يمكن التغلب عليها، إذا كان هناك حد أدنى من الحريات، يمكنه أن يستعيد ثقة الناس مرة أخرى عبر محتوى مختلف ومتنوع وجذاب.
الحريات هى الأكسجين بالنسبة للإعلام، ومن دونها يختنق ويموت كمدا، حتى لو استمر شكلا، لكنه أشبه بالموتى إكلينيكيا، الذين ينتظرون أن ترفع عنهم أنبوب التنفس الصناعى. على الحكومات العربية أن تدرك أن تدهور حال الإعلام، لن يتضرر منه أهله فقط، بل هى ستدفع ثمنا فادحا، لأنها حينما تحتاج إلى هذا الإعلام، من أجل نقل أخبارها ورسائلها ووجهة نظرها، فلن تجد أحدا، بل سوف تتفاجأ أن الإعلام المعادى وغير المنضبط هو فقط الموجود فى الساحة!!