بقلم: عماد الدين حسين
شكرا لكاميرا المراقبة الموجودة على معمل التحاليل فى مدخل إحدى عمارات ميدان الحرية بالمعادى. لولا هذه الكاميرا لمرت جريمة المتحرش محمد وجدى بطفلة المعادى من دون أن يعرف بها أحد. وشكرا للسيدة إنجى أسامة مكتشفة الواقعة، وهى التى وضعت الفيديو الذى كشف هوية الجانى عبر موقع الفيسبوك.
الدكتورة إنجى تعمل فى معمل تحاليل طبية فى الطابق الأرضى من العقار الموجود بميدان الحرية بالمعادى. إنجى تعمل طبيبة بالمعمل، ومعها سكرتيرة تدعى نجلاء. وقد تضامن معهما الدكتور صاحب المعمل إضافة إلى زوج إنجى حيث وصفها بأنها بـ«١٠٠ راجل».
كاميرات المراقبة صارت متاحة ورخيصة جدا، ويستخدمها الجميع فى كل المحافظات بل داخل القرى. سعر بعضها قد يكون حوالى ٣٠٠ جنيه، ورغم ذلك، يمكنها أن تفك ألغاز أخطر القضايا، ونتذكر جميعا أن كاميرات المراقبة كانت هى البطل فى واقعة الكشف على إرهابى الدرب الأحمر الحسن عبدالله، حينما تتبعته كاميرات المراقبة، من أول وضعه عبوة ناسفة أمام مسجد الاستقامة بالجيزة. حتى عاد إلى شقته فى الدرب الأحمر عبر دراجة هوائية وكان ذلك فى فبراير ٢٠١٩.
إذا كاميرات المراقبة بمختلف أنواعها من الأرخص إلى الأغلى، صارت قادرة على كشف أعقد الجرائم، ومن حسن الحظ أن غالبية المجرمين لا يتصورون إطلاقا أن هناك كاميرا ترصدهم وتتبع خطواتهم.
وفى حالتنا الأخيرة حاول المجرم الإنكار، لكنه عندما شاهد الفيديو، انهار وفر هاربا، قبل أن تتمكن الشرطة من القبض عليه يوم الثلاثاء الماضى وتحيله إلى النيابة التى قررت حبسه.
السيدة اإنجى أسامة ضربت مثلا فى الشجاعة، وأصرت على التحدى والمواجهة، وكان يمكنها أن تصبح مثل الملايين غيرها الذين صاروا غاية فى السلبية، ويرون الأخطاء الواضحة أمامهم ولا يتحركون لتغييرها.
كان يمكنها أن تقول «وانا مالى». وكان يمكنها أن تكتفى بتخليص الطفلة من بين براثن المتهم، ثم تعود إلى بيتها وأسرتها، لكن شجاعتها الاستثنائية تجلت فى مواجهة المتهم وفضحه وتجريسه، والأهم وضع الفيديو على الفيسبوك، لتصبح فضيحة المتهم بجلاجل.
البطل الثالث فى هذه الحكاية المحزنة والمخجلة، هى وسائل التواصل الاجتماعى خصوصا الفيسبوك. كتبت وكتب غيرى كثيرا عن الآثار السلبية المتعددة لهذه الوسائل، لكن دائما كنت أقول إن ذلك ينبغى ألا ينسينا الفوائد العظيمة لهذه الوسائل فى العديد من المجالات.
مجرد أن وضعت السيدة إنجى أسامة الفيديو على الفيسبوك، صار هذا الموضوع هو التريند، الذى تفاعل معه الجميع، من كل الفئات من المواطنين العاديين إلى الفنانين ونجوم المجتمع وعلماء النفس والاجتماع. السوشيال ميديا وعلى الرغم من أخطارها الكثيرة فإنها حققت ديمقراطية شعبية فاعلة وجعلت صوت الناس مسموعا، خصوصا فى القضايا الاجتماعية والإنسانية. وفى مرات كثيرة كشفت جرائم مهمة أو سلطت الضوء على نقاط مهمة فى العديد من القرارات والقوانين
وكما كتب المؤلف محمد سليمان عبدالمالك: «لو الكاميرا مش موجودة، لو المجرم عرف يستخبى وراء الحيط نص متر كمان، لو التصوير لم يكن بهذا الوضوح، لو السيدة الشجاعة كانت خافت، ولم تتكلم، ولم تنشر ما كنا قد عرفنا شيئا، لم يكن وقتها سيسمى سترا، بل إجراما بلا دليل وانتهاكا لجسد قاصر!».
فى هذه الحكاية العديد من الدروس المستفادة منها، ضرورة أن يهتم المواطنون من الآن فصاعدا بوضع كاميرات المراقبة، ليس فقط لفضح المتحرشين ولكن أيضا لمنع وقوع العديد من الجرائم المختلفة، وتسهيل عمل الشرطة والنيابة والقضاء. أما الدرس الأهم فهو السؤال الذى يسأله كثير من الناس وهو: ما الذى حدث للمصريين، حتى يخرج من بينهم شخص مثل هذا المتحرش.
نحتاج لقراءة هادئة فى شخصية هذا المتحرش لنعرف هل هو ظاهرة فردية، أم نموذج صار منتشرا؟!!