بقلم: عماد الدين حسين
اكتب هذا المقال فى الثالثة من عصر الخميس الماضى «٥ نوفمبر» ولا أحد يمكنه الجزم الكامل بمن سيفوز برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
الصورة عصر الخميس أن المرشح الديمقراطى جو بايدن يتقدم بـ ٢٦٤ صوتا ويحتاج إلى ستة أصوات فقط كى يحسم السباق لصالحه، ومنافسه الرئيس الحالى دونالد ترامب لديه ٢١٤ صوتا. بايدن هو الأقرب للفوز، لكن هناك نسبة حتى لو كانت ١٪ فقط لترامب إذا تمكن من الفوز فى كل الولايات المتأرجحة والمتأخرة فى الفرز، خصوصا جورجيا وأريزونا وبنسلفانيا ونورث كارولاينا، وهو الأمر الذى يبدو صعبا إلى حد كبير.
السؤال الذى يسأله كثيرون هو: كيف سنتعامل فى مصر والمنطقة العربية مع القادم الجديد للبيت الأبيض جو بايدن فى حالة تأكد فوزه؟!
أكبر خطأ ترتكبه أى حكومة فى العالم أن ترهن علاقتها بدولة أخرى على حاكم أو مسئول معين، خصوصا إذا كان ذلك فى دولة ديمقراطية تغير حكوماتها بصورة شبه دورية.
شخص الحاكم مهم بالطبع، لأن هناك فروقا شخصية وتفضيلات وميولا وأهواء، لكن هذا العامل يضعف إلى حد كبير فى بلد مثل أمريكا، حيث أن الرئيس بمفرده لا يستطيع التحكم فى كل شىء وهناك من يراقبه ويحاسبه ويغيره.
علينا أن نتأمل عدد الرؤساء الأمريكيين الذين توافدوا على هذا المنصب وتعاملنا نحن فى مصر معهم، منذ أن بدأت العلاقات المصرية الأمريكية بفتح قنصلية أمريكية فى الاسكندرية عام ١٨٣٢، ثم قطع العلاقات عقب تأييد أمريكا للعدوان الإسرائيلى فى يونية ١٩٦٧. ثم استئناف العلاقات مرة أخرى عام ١٩٧٤ رسميا.
التطور المهم فى العلاقات كان فى ٢٦ مارس ١٩٧٩، حينما وقع الرئيس الأسبق محمد أنور السادات معاهدة السلام مع إسرائيل برعاية كاملة من الرئيس الأمريكى الأسبق. جيمى كارتر. منذ هذا الوقت صارت أمريكا جزءا أساسيا فى العلاقة المصرية الإسرائيلية. وقتها اعتقد كثيرون أن سقوط كارتر الديمقراطى راعى السلام أمام ريجان الجمهورى، سيعيد العلاقات لنقطة الصفر. لكن ذلك لم يحدث حتى بعد أن سب ريجان حسنى مبارك لدوره فى محاولة تهريب عناصر من جبهة التحرير الفلسطينية الذين اختطفوا السفينة الإيطالية أكيلى لاورو فى ٧ أكتوبر ١٩٨٥ وقتلهم لرجل يهودى أمريكى. بعد ريجان جاء جورج بوش الأب وعلاقتنا به كانت طيبة إلى حد كبير بعد تحرير الكويت ثم هزمه بيل كلينتون الذى ازدهرت فى عهده مفاوضات السلام بين العرب والإسرائيليين.
ثم جاء جورج بوش الابن ومعه المحافظون الجدد بقيادة نائبه ديك تشينى وضغطهم المستمر فى ملف حقوق الإنسان والحريات، لكن العلاقات ظلت محافظة على حدها الأدنى من الاستقرار.
جاء باراك أوباما عام ٢٠٠٨ لفترتين حتى عام ٢٠١٦. وهو أفضل دليل على أن الرئيس الأمريكى مهما كان اسمه أو توجهه لا يستطيع وحده أن يغير الأمور من النقيض إلى النقيض. أوباما لم يكن محبا للحكومة أو النظام فى مصر بعد ٣٠ يونية ٢٠١٣. هو ومساعدوه كانوا يعتقدون أن إدخال قوى الإسلام السياسى للحكم، سيكون أفضل وسيلة لمواجهة العنف والإرهاب والتطرف، ثم ثبت للجميع أنه رهان خاطئ ودفعت المنطقة بأكملها وماتزال ثمنه المدمر.
أوباما اتخذ العديد من القرارات المؤذية لمصر بعد هذا التاريخ، خصوصا وقف توريد الطائرات الأباتشى وقطع غيارها التى كنا نحارب بها التنظيمات الارهابية فى سيناء. ورغم ذلك، ظلت العلاقات المصرية الأمريكية مستمرة عبر أكثر من قناة خصوصا البنتاجون ووزارة الخارجية وأجهزة المخابرات.
وبالتالى فعلاقات البلدين مهمة لكل منهما. وتستند لقواعد راسخة ومصالح مشتركة، ثم إن مصر بلد كبير ومهم، ولا يمكن لأحد أن يتجاهله. لكن الأهم أن ندرك نحن ذلك، ونتعامل على هذا الأساس.
علينا أن نتذكر أيضا أن بايدن كان من المعارضين لتوجه أوباما أثناء الـ ١٨ يوما الحاسمة فى ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ حينما كان نائبا للرئيس، لكن أوباما استمع لفريق الشباب فى ادارته حينما قالوا له: لابد أن تنحاز إلى الجانب الصحيح من التاريخ!!
المشكلة أن هذا الفريق قد يكون هو الأكثر تواجدا مع بايدن فى الفترة المقبلة. وبالتالى فالمتوقع أن نرى ونسمع العديد من الانتقادات الأمريكية الرسمية لملفات حقوق الانسان والحريات عموما، لكن ذلك لن يتطور إلى مشاكل كبرى خصوصا أن بايدن إذا فاز فعلا يحتاج لوقت طويل حتى يتمكن من إزالة آثار ترامب. بايدن لن يكون بعبعا كما يخشى الكثيرون.. لكن الأمر أولا وأخيرا يعتمد علينا نحن.. ماذا سنفعل وكيف سنتصرف؟!