بقلم: عماد الدين حسين
الحمد لله أنه تم نزع فتيل قنبلة المادة ٣٥ من قانون تسجيل المبانى والوحدات السكنية فى الشهر العقارى، لكن يبقى السؤال: ماذا سيحدث حينما تنتهى مهلة التأجيل فى نهاية ديسمبر المقبل؟
مجلس الوزراء برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى، اتفق مساء الأحد على أن تتقدم الحكومة بمشروع قانون لمجلس النواب لتعديل القانون رقم ١٨٦ لعام ٢٠٢٠، بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم ١١٤ لسنة ١٩٤٦ الخاص بتنظيم الشهر العقارى، بما يؤجل نفاذ القانون حتى نهاية ديسمبر المقبل، أى أن مدة التأجيل نحو عشرة شهور، بعد أن كان مقررا أن يبدأ سريان هذا القانون فى ٦ مارس الحالى.
الخطوة الأولى والعاجلة هى نزع فتيل المشكلة وهو ما تم بالتحرك السريع الذى بدأه حزب «مستقبل وطن» ثم قرار مجلس الوزراء يوم الأحد الماضى، ثم موافقة اللجنة التشريعية على التعديل فى مساء نفس اليوم، والمفترض أن يوافق عليه مجلس النواب بصورة نهائية خلال الأيام المقبلة.
لكن الخطوة الأهم هى ضرورة نزع كل القنابل الموقوتة من هذا القانون، وليس فقط تجميد انفجارها لعشرة شهور فقط. أتمنى أن تنشغل الوزارات المعنية فى الحكومة، ومعها سائر المؤسسات والهيئات والأجهزة ذات الصلة بالقضية بمناقشات جادة وهادئة وموضوعية، تبحث فى إبطال ألغام هذا القانون بصورة نهائية.
مرة أخرى كتبت فى هذا المكان أكثر من مرة، وقلت إنه لا خلاف مع الحكومة، على فكرة ضرورة وجود رقم قومى لكل عقار، وتسجيل كل الوحدات والمبانى والتحفيز على سداد ضريبة التصرفات العقارية وكذلك الضريبة العقارية.
ولا أحد يختلف مع الحكومة على ضرورة تحصين الملكيات، وكذلك حصر الثروة العقارية، وضبط وتأمين السوق العقارية، والقضاء على البناء غير المرخص والعشوائى.
كل ما سبق لا يختلف عليه مواطن عاقل، لكن ما يختلف عليه الجميع هو كيفية تحقيق ذلك، بحيث لا يتحول إلى وسيلة لتعذيب وإرهاق غالبية المواطنين، خصوصا أن رئيس الوزراء نفسه قال يوم الأحد الماضى إن ٩٥٪ من العقارات فى مصر غير مرخصة.
نعود إلى السؤال الجوهرى وهو: كيف يمكن المواءمة بين الهدفين، أى التسهيل على المواطنين، وتحفيزهم على التسجيل، وبين الحفاظ على حقوق الدولة؟
من بين الأفكار المطروحة فصل سداد ضريبة التصرفات العقارية عن إجراءات التسجيل العقارى، وكذلك توصيل المرافق من كهرباء وغاز ومياه وتليفونات.
والنفطة السابقة شديدة الأهمية، لأن الربط يعنى إجبار أكثر من ٩٠٪ من المصريين على التسجيل بالطريقة المتعجلة وبرسوم مبالغ فيها فعلا، بعضها مشكوك فى دستوريته مثل رسم نقابة المحامين البالغ ١٪ من قيمة كل عقد، وكذلك رسوم الأمانة القضائية البالغة ٤٥ جنيها عن كل ألف جنيه فى قيمة العقد.
صحيح أن البندين الأخيرين يخصان فقط المسار القضائى وليس الرضائى، ولكن هناك معضلة أن غالبية المصريين يفضلون سلوك المسار القضائى، ضمانا لتحصين ملكياتهم من أى جدل لاحق.
من بين المقترحات أيضا تقسيط قيمة ضريبة التصرفات العقارية والتى تبلغ ٢٫٥٪ على ثلاث أو اربع دفعات، بحيث يصبح من حق المشترى الحصول على الإشهار الرسمى بعد سداد القسط الأول والبعض يقترح تخفيض الضريبة، إذا تم بيع الوحدة نفسها للمرة الثانية خلال نفس العام، وهناك من يطالب بإلغاء التعديل تماما أو تركه مجمدا، عبر تأجيلات متوالية كما حدث مع بعض القوانين المثيرة للجدل.
وهناك مطالبات بإلغاء بند الـ١٪ الخاص بنقابة المحامين، إضافة بالطبع إلى تسهيل واختزال الإجراءات، عبر شباك واحد أو اثنين على أقصى تقدير، وأن يتم ذلك خلال أسبوع أو أسبوعين، وليس عاما أو عامين، كما كان يحدث قبل ذلك وربما أكثر.
النقطة الجوهرية التى ينبغى أن تصل لمن يضع مشروعات القوانين فى المستقبل، خاصة تلك التى تهم الأحوال المعيشية والحياتية للناس مثل التسجيل العقارى أو مخالفات البناء، هى أن يكون الهدف هو التسهيل وليس التعجيز، والتحفيز وليس الإكراه والضغط والمحاصرة.
اكتمال منظومة التسجيل مهم جدا ومفيد للمواطن وللدولة، ولكن الأكثر أهمية ألا يقود ذلك إلى توتر وعدم استقرار فى المجتمع بأكمله. وهذا ما لا يريده أحد ألا المتربصون بهذا الوطن، فلا تعطوهم الفرصة،على طبق من ذهب.