بقلم: عماد الدين حسين
أرجو ألا تنخدع غالبية الأحزاب المصرية كثيرا بالأرقام التى حصلت عليها فى مجلس الشيوخ، أو ستحصل عليها فى مجلس النواب الجارى انتخابه الآن.
الواقع الفعلى يقول إن هذه الأحزاب تأثيرها ضعيف، وعليها أن تبذل جهودا كبيرة على الأرض، إذا أرادت ترسيخ وجودها فى الحياة السياسية.
أتذكر أن مرشحا معروفا فى الانتخابات النيابية السابقة عام 2016 كان قد اتفق مع حزب على أن يترشح على قوائمه، وحينما كان فى طريقه لمقر الحزب لتوقيع الانضمام والترشح، تلقى اتصالا من حزب آخر بشروط أفضل، فطلب من السائق أن يعمل «يوتيرن» ويتجه لمقر الحزب الجديد، من دون أن يرمش له جفن، وخاض الانتخابات ونجح، ثم جمد عضويته فى الحزب الجديد ليصبح مستقلا.
فى انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة فإن عدد الأحزاب التى دخلت المجلس كان ١١ حزبا ارتفع إلى ١٤ حزبا بقرار رئيس الجمهورية بتعيين ١٠٠ شخص. وفى انتخابات مجلس النواب يشارك 38 حزبا، وهناك حوالى أربعة آلاف مرشح يخوضون الانتخابات بينهم 3097 مستقلا و876 حزبيا، و١١٠٥ مرشحين أساسيين واحتياطيين يتنافسون على المقاعد المخصصة للقوائم.
طبعا الملاحظة الأساسية لهذه الانتخابات وقبلها انتخابات الشيوخ هى وجود قائمة وطنية تضم ١٢ حزبا سياسيا إضافة إلى تنسيقية شباب الأحزاب.
فى انتخابات الشيوخ فازت هذه القائمة بأكثر من ٧٠٪ من المقاعد، لكن التنافس فى «النواب» أشد كثيرا إلى حد ما.
حزب مستقل وطن يمثل القوة الضاربة للقائمة والفردى ومعه أحزاب الوفد والمصرى الديمقراطى والعدل وهى أحزاب كانت تصنف نفسها كمعارضة إضافة إلى بقية الأحزاب الرئيسية خصوصا الوفد والتجمع.
القائمة المطلقة فى هذه الانتخابات، وقبلها فى الشيوخ ستقود لتمثيل حزبى كبير لمعظم الأحزاب حسب أوزانها النسبية إلى حد ما، ولكن مرة أخرى، فأغلب الظن أن غالبية هذه الأحزاب لو خاضت الانتخابات بمفردها، فربما لن يحصل معظمها على أى مقعد نظرا لضعف كوادرها جماهيريا.
والتمنى الأكبر أن يكون تمثيل هذه الأحزاب فى مجلس الشيوخ والنواب فرصة حقيقية، لتبدأ عملية تواجد حقيقى فى الشارع، بدلا من اقتصار معظمها على لافتات فوق مقراتها الخاوية إلا من عامل البوفيه!!. فى الماضى كان لها صحف ذات «شنة ورنة»، لكنها اختفت بالتدريج إلا قليلا.
الحكومة عليها واجب مهم أن تعطى هذه الأحزاب المدنية والشرعية حرية الحركة، أو أكبر هامش منها، لكن العبء الأكبر يقع على عاتق هذه الأحزاب لتقوى من نفسها.
من سوء حظ حياتنا السياسية، أن التربة الحزبية لدينا شديدة الهشاشة، والنظام الانتخابى منذ عام ١٩٥٢ عزز من فكرة المرشح الفرد أو نائب الخدمات، على حساب المرشح الحزبى صاحب البرنامج، وأفضل نظام انتخابى يعزز دور الأحزاب هو القائمة النسبية.
حينما يحدث ذلك، فإن الناخب حينما يتوجه إلى لجنة الانتخابات فإنه سيختار حزبا أو قائمة بناء على برامجها وأهدافها وشعاراتها وليس بناء على اسم المرشح وعائلته ونفوذه.
فى كل بلاد الدنيا الطبيعية، فإن المواطن ينضم للحزب ويدفع اشتراكا منتظما، لأنه مؤمن بأفكاره وبرامجه، وليس لأنه يبحث عن فرصة عمل أو رخصة فرن بلدى أو مطالب خدمية فئوية. طبعا الخدمات مهمة جدا، لكنها صارت هى العلاقة الأساسية التى تربط الناخب بالمرشح. ونتفاجأ أحيانا أن بعض المواطنين، يريد أن يحصل على مقابل من الحزب لكى ينضم إليه.
أتمنى أن تنتهز الأحزاب الفرصة وتبدأ فى النزول للشارع وتثقيف الأعضاء والكوادر، لكى يكتسبوا الوعى العام وبعدها يمكنهم أن يصوتوا لهذا الحزب أو ذاك فى أى استحقاقات انتخابية مقبلة.
جيد أن يتواجد عدد كبير من الأحزاب داخل البرلمان، لكن الجيد أكثر، أن يكون لهذه الأحزاب تأثير حقيقى فى الشارع، وليس على الورق فقط.