بقلم: عماد الدين حسين
بالأمس كتبت فى هذا المكان تحت عنوان ليس من مصلحتنا أبدا خسارة السودان، واليوم أوجه رسالة عتاب لبعض السودانيين الذين صاروا يتعاملون مع انتقاد مصر بالحق وبالباطل وكأنه موضة العصر!!
هؤلاء تفننوا فى الانحياز السافر إلى إثيوبيا والهجوم على مصر فى مفاوضات سد النهضة، وكأن مصر صارت هى العدو فجأة.
قبل أيام أعلنت الحكومة السودانية أن منسوب تدفق النيل القادم من إثيوبيا انخفض ٩٠ مليون متر مكعب يوميا، وأن العديد من محطات مياه الشرب السودانية خرجت عن الخدمة بفعل إغلاق إثيوبيا لبعض بوابات سد النهضة.
السؤال لهؤلاء: ألم تفكروا أبدا أن إثيوبيا يمكنها أن تستخدم هذا «المحبس» ضدكم وليس ضد مصر فقط، إذا حدث أى خلاف بينكم؟!
ما هى هذه الثقة التى تجعلكم تتعاملون مع إثيوبيا، وكأنها الملاك المرسل من السماء، فى نفس الوقت الذى تكيلون فيه كل النقد والهجوم على شقيقتكم مصر؟!.
أليس واردا أن تختلف معكم اثيوبيا فى المستقبل، وتمنع عنكم المياه أو تقللها إلى أدنى درجة؟!.
لماذا لا تضعون احتمالا ولو بنسبة ١٪ أن طريقة بناء السد خاطئة، وقد تتسبب فى كارثة لكل السودان فى المستقبل، علما أن السد يقع على بعد ١٥ كم فقط من حدودكم؟!
أيها الإخوة السودانيون الذين تهاجمون مصر ليل نهار، لا نريد منكم أن تكونوا معنا، لكن على الأقل نتمنى أن تنظروا بعمق إلى مصلحة بلدكم.
ليس عيبا أن تختلفوا مع مصر بشأن أى قضية، لكن العيب الكبير أن تخلطوا بين الأمور والمسائل والقضايا. على سبيل المثال يمكن الخلاف على قضايا فرعية أو طارئة فى أى مجال بين البلدين، لكن الإصرار على إيذاء مصر فى مفاوضات سد النهضة أمر لا يغتفر ولن ينساه أى مصرى.
عليكم أن تتذكروا أمرا مهما: أنتم هنا فى هذه القضية لا تختلفون مع الحكومة أو النظام المصرى فقط، بل مع كل الشعب المصرى ولسنوات طويلة.
إصراركم على السير فى طريق الأذى، يعنى أن المصريين سوف يتذكرون طوال حياتهم، أنكم كنتم أحد الأسباب الأساسية فى تهديد حياتهم، وهو الأمر الذى سينتقل من جيل إلى جيل.
نرجوكم لا تخلطوا الأمور، ولا تثيروا فتنا ومشاكل مرت عليها مئات السنين، وحتى لو افترضنا أنها صحيحة، وهى ليست كذلك، فإنه من غير العدل والإنصاف الانتقام من مصر فى ملف مياه النيل.
حينما أقرأ بعض كتابات هذه النوعية من الإخوة السودانية، أعتقد أن كاتبها إسرائيلى أو إثيوبى، ولذلك تكون المفاجأة صادمة حينما أكتشف أن شقيقا سودانيا هو من قام بكتابتها !!.
كنت أعتقد أيضا أن فلول النظام السابق، وأنصار جماعة الإخوان، هم المحرك الأساسى لهذه الحملات الممنهجة ضد مصر، لكن من الواضح أنها تشمل أيضا بعض أنصار الفريق الجديد فى الحكم أى قوى الثورة التى أزاحت نظام عمر البشير.
مرة أخرى، من حق أى شخص أو حزب أو تيار فى السودان، أن يختلف مع الحكومة المصرية، أو حتى مع الشعب المصرى، طالما أن ذلك فى إطار الأخذ والرد والعتب، بل والاختلاف الصحى والموضوعى. المشكلة فقط أن يتحول ذلك إلى دعم إثيوبيا التى قال وزير خارجيتها علنا قبل أيام إن «النيل كان يتدفق كنهر والآن صار بحيرة إثيوبية».
بصريح العبارة، ما كان ممكنا للحكومة الإثيوبية أن تتحدى مصر وتبنى سد النهضة بهذه الطريقة من دون الدعم السودانى طوال السنوات الماضية. كثيرون منا اعتقدوا أن هذه السياسة سوف تطوى مع سقوط البشير، لكن للأسف استمرت بطريقة أو بأخرى. وهناك بعض المسئولين السودانيين يتصرفون ويتحركون وكأنهم أعضاء فى حكومة أديس أبابا، وليس فى دولة عربية شقيقة، تربطنا بهم الأخوة والعروبة والديانة والعادات والتقاليد، والأهم المستقبل.
مرة أخرى أكرر أن مصلحة مصر والسودان أن تربطهما علاقات مصالح متبادلة، وعليهما البحث فى الوصول لصيغة عملية تحفظ حقوق البلدين فى ظل المتغيرات التى عصفت بالبلدين وبالمنطقة وبصعود أجيال جديدة لا تعرف الكثير عن التاريخ القديم. علينا أن نجد طريقة سريعة للتعامل مع هؤلاء الذين يريدون تفجير العلاقات طوال الوقت، ويبحثون فقط عما يوتر ويعكنن، وليس عما يهدئ ويقرب، ويعيد العلاقات لأصلها الطبيعى فى إطار مصلحة البلدين والشعبين.