بقلم: عماد الدين حسين
أيهما أولى بتركيز وانشغال الناس ووسائل الإعلام: مطالب الشعب اللبنانى فى أوضاع اقتصادية وسياسية أفضل أم مشهد لبعض فتيات جميلات يرقصن ويدبكن خلال الاحتجاجات الأخيرة؟!
أطرح هذا السؤال لأن حجم الانشغال العربى خصوصا على وسائل التواصل الاجتماعى بملابس وازياء بعض الفتيات والسيدات المشاركات فى الاحتجاجات طغى فى أحيان كثيرة على الموضوع الأصلى، وهو السبب الذى من أجله اندلعت الاحتجاجات.
أخشى أن أقول إن الاحتجاجات اللبنانية الأخيرة، كشفت عن انهيار مستوى الوعى والفهم، بل وأحيانا الأخلاق لدى جانب كبير من المتابعين العرب، الذين ركزوا على مشاهد الفتيات، وليس على أسباب الاحتجاجات.
فوجئت وفجعت بمواطنين عرب يحكمون سلبا على مجمل الاحتجاجات اللبنانية، لمجرد أنه شاهد فتاة مرفوعة فوق اكتاف المتظاهرين، أو لأن ملابسها لا توافق ذوقه فى الملابس، أو لأنها تقول لفظا يبدو خادشا لنا، لكن يكرره معظم اللبنانيين فى أحاديثهم العادية، من دون أن يعنى لفظه الظاهر!!
لهذه النوعية من المواطنين العرب، نقول لهم اتقوا الله. انسوا تماما مشاهدة هذه الفتيات لنفترض أنه من حقكم الاختلاف مع ملابس أو تصرفات هذه الفتيات، لكن هناك موضوعا جوهريا اسمه الظروف المعيشية الصعبة، التى خرج من أجلها اللبنانيون. نريد رأيكم ورأى الدين فى هذه المظالم والمفاسد والرشاوى!!
ليس ذنب اللبنانيات أنهن جميلات أو دائمات الاهتمام بملابسهن ومظهرهن وشكلهن. هل نلوم السيدة اللبنانية لأنها تحرص على الاهتمام بزينتها أو نظافتها؟! ما العيب فى هذا؟! هل المطلوب منها أن تقوم بتشويه خلقتها، حتى ترضى مجموعة من الرجال المشوهين والمعقدين، الذين يتعاملون مع الحياة بأكملها عبر جسد المرأة؟!
الصراع أو الخناقة أو الاحتجاج فى لبنان الان، لا يدور حول شكل ملابس المتظاهرات، بل حول احتجاجات عارمة لغالبية اللبنانيين بشأن أوضاعهم الاقتصادية الصعبة جدا، وبالتالى فعلى الجميع، أن يفصل ما بين هذا الموضوع الرئيسى وأى موضوعات فرعية أخرى.
من بين هذه الموضوعات الهامشية، طريقة تظاهر اللبنانيين واللبنانيات. هم شعب يحب الحياة، وحتى فى احتجاجه فإنه يبتدع أشكالا متميزة تعبر عن مشاعره، مثلما تفعل شعوب مختلفة ذلك.
المصريون على سبيل المثال كان لهم اسلوبهم الخاص، خصوصا فى ميدان التحرير أثناء ثورتى ٢٥ يناير ٢٠١١ و٣٠ يونية ٢٠١٣، وقام الإعلام الدولى بالتركيز على هذه المظاهر، لكنه لم ينظر إليها باعتبارها «صلب الموضوع» الذى كان اسقاط مبارك ثم اسقاط الإخوان.
شخصيا شاهدت الفنان العروبى الكبير مرسيل خليفة وسط المتظاهرين فى طرابلس شمال لبنان يغنى أجمل أغنياته الشهيرة مثل «شد الهمة» أو «يا وطن»، وشاهدنا فنانين وفنانات اخرين يشاركون الشعب احتجاجه، فما العيب فى كل ذلك؟!
اللبنانيون يحبون الحياة ويدبكون ويغنون ويرقصون فى كل لحظة، وبدلا من أن نلومهم على ذلك، علينا أن نلوم الفاسدين والفاشلين من الطبقة السياسية الحاكمة، التى دفعتهم إلى الاحتجاج، مما قد يفتح بابا على لبنان كى ينفذ منه الأعداء والمتربصون، كما يخشى البعض.
شخصيا أرى أن ما يفعله اللبنانيون فى ميادين التظاهر أمر طبيعى، بل ومحبوب. ما المانع أن يلعبون الكرة، أو يغنون أو يدبكون أو يحلقون شعر رءوسهم أو يقيمون حلقات النقاش أثناء التظاهر!!
المتطرفون والظلاميون والطائفيون هم من حاولوا تشويه هذا النضال السلمى، بل ووضعوا فيديوهات مخلة ومهينة باعتبارها تخص متظاهرات لبنانيات، رغم أن التركيب والفبركة واضحة فيها، لكن للأسف فإن انعدام الوعى لدى كثيرين جعلتهم يصدقونها.
هؤلاء المستبدون الذين سقطت اقنعتهم أخيرا، لجأوا إلى هذه القصص الحقيرة، وقصص المؤامرة والتحذير من الفوضى والتفكيك والحرب الأهلية، للتغطية على فشلهم، وعلى أنهم جزء لا يتجزأ من الفساد الشامل. وسمعنا من يهتف ويقول بحق «إن الشىء الوحيد الذى يتطور وينمو فى لبنان هو ثروات السياسيين مقابل وجود أكثر من ٩٠٪ من الشعب فقيرا أو مريضا أو محاصرا أو وسط الهموم اليومية».
مرة أخرى كل التحية والتقدير للشعب اللبنانى الباحث عن الحرية الحقيقية والوطن الواحد، وتحية خاصة لكل سيداته وفتياته المحترمات. نعم الظروف معقدة وصعبة ولا توجد حلول جاهزة أو مثالية، لكن على الاقل إذا لم نقم بتحية هذا الشعب الباحث عن حقه فى العيش الكريم، فعلى الأقل نتوقف عن تشويهه والإساءة إليه عبر فتياته وسيداته المحترمات!
وقد يهمك أيضًا:
المعقول واللا معقول فى حادث شهيد التذكرة
مهرجان الموسيقى.. لسه الأغاني ممكنة