بقلم - عماد الدين حسين
«مصر العظيمة الكبيرة تسعنا جميعا بكل تنوعاتنا وبكل ثرائنا الحضارى، وإيمانا منى بأن كل اختلاف هو قوة مضافة إلينا وإلى أمتنا، فإننى أؤكد لكم أن قبول الآخر وخلق مساحات مشتركة فيما بيننا، سيكون شاغلى الأكبر لتحقيق التوافق والسلام المجتمعى، وتحقيق تنمية سياسية حقيقية، بجانب ما حققناه من تنمية اقتصادية، ولن أستثنى من تلك المساحات المشتركة، إلا من اختار العنف والإرهاب والفكر المتطرف سبيلا لفرض إرادته وسطوته، وغير ذلك فمصر للجميع وأنا رئيس لكل المصريين، من اتفق معى أو من اختلف».
الفقرة السابقة هى أهم ما استوقفنى فى خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى أمام مجلس النواب صباح السبت، بعد أن أدى اليمين الدستورية رئيسا للجمهورية لولاية ثانية.
مضمون الكلام فى هذه الفقرة، قاله الرئيس قبل شهور، وأذكر أننى كتبت عنه مشيدا ومرحِّبا فى هذا المكان، وقلت ما معناه إننا ننتظر التطبيق.
هذه الفقرة تعنى على الأقل نظريا أن أصحاب وجهة النظر الخاصة بفتح المجال العام حتى لو كان جزئيا، قد نجحوا فى فرض وجهة نظرهم.. وأن المنطق والعقل قد انتصر فى النهاية.. وأنه لا يمكن الاستمرار بنفس المنهج الضيق طوال الوقت؛ لأنه ضد الطبيعة.
أن يكرر الرئيس هذا المعنى أمام نواب الشعب فى بداية فترته الثانية، فهذا أمر مهم للغاية، علينا أن نشكر الرئيس عليه، وفى الوقت نفسه يحق لنا أن نسأل مرة أخرى عن كيفية تحويل هذا الكلام إلى واقع متجسد على الأرض.
بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ كان هناك تحالف واسع جدا، هو الذى أخرج الإخوان من الحكم وانتصر للدولة المدنية.. هو تحالف شاركت فيه جميع مكونات الشعب المصرى تقريبا، ما عدا المؤمنين بفكرة الدولة الدينية.
من سوء الحظ ولأسباب كثيرة يطول شرحها، فقد تفكك هذا التحالف، وانهار بصورة دراماتيكية وجرى تخوين بعض رموزه، بصورة غير إنسانية.
لا يشغلنى فى هذا المجال الأسماء والشخصيات، بقدر ما تشغلنى القضية. الأسماء تتغير لكن المضمون هو الباقى، وبالتالى فعلينا ألا ننزلق إلى مهاترات عقيمة تتحدث عن هذا الشخص أو ذاك.
بل المطلوب أن يكون لدينا أكبر توافق وطنى عام بين الحكومة والنظام من جهة وبقية مكونات المجتمع المصرى. بمعنى أن تتوصل الحكومة وأجهزتها مع الأحزاب والقوى السياسية المختلفة إلى صيغة للعمل السياسى، تسمح بمساهمة الجميع، ما عدا المتطرفين والإرهابيين. ليس مهما من هو اسم رئيس أو زعيم هذا الحزب أو تلك النقابة، المهم أن يكون هناك تمثيل لكل قوة حقيقية على الأرض.
وبالطبع فلا أحد يقبل بمشاركة أى متطرف أو إرهابى فى العمل السياسى. وفى المقابل أدعو إلى البحث عن صيغة تضمن إبعاد الشباب عن القوى المتطرفة، واستعادتهم للمساهمة فى تقدم هذا المجتمع، ومنع انضمام المزيد من المغرر بهم إلى هذه الجماعات.
أتمنى أن يكون الأساس الذى تقوم عليه دعوة الرئيس وتفعيلها، هو الإيمان بالحرية والديمقراطية والتنوع واحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان، أى إنسان طالما أنه لم يخرق القانون.
علينا أن ندرك أنه لن تكون هناك أى تنمية شاملة، إلا فى إطار الالتزام بالتنوع والتعددية وحقوق الإنسان. الرئيس قال بالأمس إن الولاية الثانية سوف تركز على بناء الإنسان، وهو أمر فى غاية الأهمية ويرتبط بكل ما تحدثنا عنه؛ لأن المتعلمين والأصحاء هم الأكثر قدرة على الدعوة للحرية والديمقراطية والحفاظ عليها، بدلا من سوقهم كالقطيع فى اتجاهات مختلفة.
كل التمنيات بالتوفيق للرئيس فى ولايته الثانية.. وفى انتظار تحويل كلماته إلى واقع حى يلمسه الجميع؛ حتى يتمكن هذا البلد من الانطلاق للإمام.
المصدر : جريدة الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع