بقلم: عماد الدين حسين
إذا كان صراعنا مع إسرائيل صراع وجود فعلا، وإذا كنا كعرب نريد أن ننتصر فى هذا الصراع الصعب، فلابد أن نمتلك وسائل القوة الشاملة التى تجعلنا نحقق هذا الانتصار.
أما من يعتقد أن الجلوس فى بيوتنا أو مكاتبنا وهجاء إسرائيل ومن يقف أو ينسق أو يتبادل معها العلاقات، سوف يحل المشكلة، فهو يعيش فى وهم كبير.
إحدى المشكلات الكبرى التى تعيق مواجهتنا الصحيحة والفاعلة مع إسرائيل، تكمن فى العقلية والثقافة العربية السائدة منذ زيارة الرئيس الأسبق محمد أنور السادات للقدس عام ١٩٧٧. انقسم المصريون ومعهم العرب إلى فريقين متناقضين لا يلتقيان أبدا. فريق مؤيد على طول الخط وقليل إلى حد ما، مقابل فريق كبير معارض على طول الخط.
شخصيا كنت مع الفريق الثانى المعارض للتطبيع والعلاقات مع إسرائيل، طالما أنها لم تقبل بالحد الأدنى من التسوية وإعادة الحقوق العربية المغتصبة.
سيقول البعض لماذا تستخدم فعل كنت؟.. وما هو موقفك الآن، هل غيرت رأيك وصرت مؤيدا للتطبيع؟!
الإجابة قطعا هى لا. ما زلت على نفس المبدأ. وضميرى وقلبى وعقلى لا يقبل الموافقة على التطبيع، إلا بعد حدوث تسوية عادلة للقضية الفلسطينية.
الذى تغير فى موقفى هو الطريقة وليس المبدأ نفسه. صرت مقتنعا بضرورة التحرك والبحث عن حلول تقود إلى تغيير الواقع الأليم، ليس من بينها بالطبع أن نذهب لإسرائيل ونقول لهم: «نحن نقبل السلام مقابل السلام».
ظنى الشخصى أن إسرائيل هى الطرف الأكثر استفادة من طريقة تعاملنا معها، أى الجعجعة والصوت العالى والصراخ وفقط.
سيقول البعض: وهل تقترح علينا أن نتوقف عن معارضة إسرائيل وانتقادها حتى نكون واقعيين؟!
الإجابة هى لا. انتقدوا واشجبوا إسرائيل وهاجموها كما تريدون، لكن لابد أن يكون هناك تصور عملى موضوعى لتحقيق نتائج على الأرض، حتى لا نتفاجأ بعد شهور أو سنوات أنه لا توجد أرض نتفاوض لاستعادتها.
كنت أتحدث مع مسئول عربى بارز قبل أيام، وقال لى إن عدد المستوطنين فى الضفة الغربية، حينما تم توقيع المعاهدة بين مصر وإسرائيل فى مارس ١٩٧٩ نحو ٤٠ ألف مستوطن يهودى، الآن وصل عددهم إلى أكثر من ٦٥٠ ألفا.
لا أؤمن بنظرية البكاء على اللبن المسكوب، وظنى أن السادات لم يستطع أن يقنع العرب أو الأطراف الفاعلة بفكرة المبادرة، حتى يحصل على نتائج أفضل وقتها، أو ربما أن قادة بعض الدول العربية لم يكونوا جاهزين موضوعيا للاتفاق على حل وربما كانت إسرائيل من الذكاء والقوة بحيث إنها خططت للأمور كى تصل إلى ما وصلت عليه.
هل كان السادات على حق أم لا، وهل أخطأ العرب حينما قاطعوه وخضعوا لضغوط صدام حسين وحافظ الأسد، وهل كان يمكن أن نحصل على نتائج أفضل وقتها أم لا؟! أسئلة مهمة، جدا، لكن الإصرار على تكرارها الآن لن يحقق شيئا والأهم أن ننشغل بالسؤال المفيد للحاضر والمستقبل وهو: كيف يمكننا أن نواجه إسرائيل الآن، وكيف يمكننا أن نحقق الانتصار؟!
لاحظوا أننا نتحدث بضمير الجماعة «نحن» أى العرب، وبالتالى فالسؤال الأول البسيط والصعب هو: وهل نحن العرب أساسا متفقون على كيفية التعامل مع إسرائيل أو كيفية مواجهتها؟!!.
الخلافات ليست فقط بين البلدان العربية، ولكنها داخل كل قطر عربى على حدة.
البعض يفضل الغرق فى المثاليات أو ما ينبغى أن يكون. هذا لا يصح للسياسة. على هذا الفريق أن يفكر بهدوء ويسأل نفسه من هو الطرف الذى سيقوم بمواجهة إسرائيل وإجبارها على قبول الحل السلمى والعادل، وإذا فشل فى إقناعها فهل هو قادر على مواجهتها عسكريا والانتصار عليها وعلى من يساندها ويدعمها؟!
أسهل شىء فى هذه القضية أن يدلى كل شخص برأيه المبدئى أى أن يدين التطبيع أو يؤيده. ثم يعود لبيته وينام هانئا هادئا معتقدا أنه أدى واجبه النضالى. الأصعب أن نجهد أنفسنا فى كيفية البحث عن حل حقيقى يغير هذه المعادلة.
سيسأل سائل وما هى الحلول العملية!
لا أملك حلولا عملية لكن أدعو إلى نقاش عاقل وموضوعى يجيب عن سؤال جوهرى أساسى هو: كيف يمكن أن نوقف مسلسل الهوان الذى جعل الجميع يتسابق نحو إسرائيل التى تزداد صلفا وغرورا وبلطجة؟!