فى أقل من أسبوعين ألقت قوات الأمن القبض على سامى عنان رئيس الأركان الأسبق، وهشام جنينة رئيس جهاز المحاسبات السابق وعبدالمنعم أبوالفتوح رئيس حزب مصر القوية.
فى نفس الوقت فإن الحكومة قررت إرجاء تطبيق قرار رفع بعض الأسعار مثل تذاكر قطارات السكة الحديد، بعد أن جرى الترويج للقرار بواسطة رئيس الجمهورية شخصيا.
فهل هناك رابط أو علاقة أو معنى بين الحدثين؟!.
ظنى الشخصى أن هناك علاقة تشير إلى أن الحكومة وأجهزتها وسائر النظام، لم يعد يخشى ما يمكن أن يطلق عليه «المعارضة» وكبار رموزها، فى حين أنه يتحسب كثيرا لإغضاب المواطنين اقتصاديا هذه الأيام على الأقل.
تفصيل ذلك أنه من المؤكد أن النظام قد فكر أكثر من مرة، قبل أن يتم اتخاذ قرار إلقاء القبض على الرءوس الثلاثة الكبيرة خلال أقل من أسبوعين، لكنه فى النهاية اتخذ القرار، ولم يرمش له جفن!
معنى ذلك أن كل التوصيات التى تم رفعها للمستوى السياسى الأعلى قد أوصت ــ فى معظمها على الأقل ــ بأنه لا توجد قلاقل أو عواقب يمكن التحسب لها فى حالة الإقدام على قرار القبض على هؤلاء الثلاثة، وربما اتخاذ إجراءات أخرى ضدهم من قبيل التحفظ على الأصول والممتلكات لهم وللأسرة.
لم يكن أحد يتصور أن يتم القبض على سامى عنان رئيس الأركان الأسبق ونائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى حكم البلاد بعد تنحى مبارك وقبل صعود الإخوان للسلطة. لكن فى اللحظة التى تم القبض فيها عليه، فإن الرسالة التى كان يفترض أن تصل إلى الجميع ــ من وجهة نظر الحكومة بالطبع ــ هى أنه لا أحد فى مأمن وأن كل الخطوط الحمراء قد سقطت.
وبالتالى فإن كثيرين لا يفهمون ولا يهضمون الطريقة التى تحدث بها المستشار هشام جنينة فى حواره مع «الهفنجتون بوست»، مع علمه التام أن هذا الكلام لن يمر مرور الكرام. فى حين أن البعض يقول إنه لم يستطع السكوت رغم علمه بالعواقب.
هل راهن الثلاثة عنان وجنينة وأبوالفتوح على وجود خطوط حمراء داخلية وخارجية، تمنع النظام من القبض عليهم، وهل خابت هذه الرهانات، أم أنها كانت خاطئة من الأساس، أم أنهم لم يتوقعوا أن تتصرف الأجهزة الحكومية بمثل هذه السرعة والقوة والحسم؟!
فى المقابل تحدث وزير النقل هشام عرفات قبل نحو شهر مطالبا بضرورة رفع أسعار تذاكر السكة الحديد. يومها تدخل الرئيس، وطلب منه أن يتم ذلك بصورة تراعى ظروف الناس أولا وأن تتحسن الخدمة ثانيا، وبعدها بساعات قال الوزير إن الأسعار سترتفع خلال أيام، لكنها لم ترتفع. وقالت تقارير إن الزيادة تم تجميدها حتى نهاية الانتخابات الرئاسية، تحت مبرر زيادة نسبة الاشتراكات.
سيقول البعض معترضا: لكن الحكومة اتخذت قبل ذلك قرار التعويم ورفع أسعار الوقود، أكثر من مرة، الأمر الذى قاد إلى رفع أسعار جميع السلع والخدمات، ولم تفكر وقتها فى الناس أو ظروفهم.. فكيف نفسر هذا التناقض؟!.
نعم الحكومة والرئيس خاطروا، واتخذوا قرارا صعبا وقتها، لكنهم طوال الوقت يتحسبون لردود الفعل الشعبية، ولا تمر مناسبة إلا ويشيد الرئيس السيسى «بصبر الناس وشهامتهم وجدعنتهم، وتحملهم لارتفاعات الأسعار».
خلاصة الفكرة هى أن الحكومة لم تعد تخشى من المعارضة المدنية ــ بفرض وجودها ــ، هى الآن تتخذ مثل هذه الخطوات الصعبة جدا وتقبض على شخصيات، كان البعض يظن أنها فى مأمن أو أن لها حصانة. ويعتقد البعض أنه بعد القبض على القيادات الثلاث، فلم يعد أى من السياسيين أو غيرهم فى مأمن!
وفى المقابل فإن الحكومة صارت تعمل حسابا كبيرا للشكاوى والهموم الشعبية الناتجة عن ارتفاعات الأسعار، وتحاول السيطرة عليها بطرق شتى، من دون أن يعنى ذلك أنها نجحت بالفعل.
وبالتالى يصبح السؤال: إذا كان النظام قد قرر تأميم الحياة السياسية بصفة عامة، طبقا للسيناريو الحالى حاليا، فهل يستطيع أن يرضى غالبية المواطنين اقتصاديا، بالتوازى مع تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى، وهو السيناريو الذى نفذه جمال عبدالناصر وحسنى مبارك بصور متنوعة، حينما تمت مقايضة الحياة السياسية بتلبية الحاجات الاجتماعية، وهل هذه الصيغة قابلة للاستنساخ حاليا، وكيف وبأى طريقة وبأى ثمن؟!
نقلا عن الشروق القاهرية