بقلم - عماد الدين حسين
فى كل مرة يقع فيها مرتشٍ كبير أسأل نفسى: لماذا لم يتعظ هذا المرتشى، وهل ظن أنه لن يقع، ولماذا لا يتعظ كل من يفكر فى تكرار هذا الامر؟
لا أعرف إذا كان السؤال يستحق الطرح من الأساس، أم أنه يأتى من «واحد صعيدى ساذج» هو العبد لله؟!
هناك العديد من الأسئلة البديهية التى تتوارد على الذهن مع أى قضية فساد كبيرة. منها مثلا ما الذى يجعل رجلا يتولى رئاسة شركة قابضة كبرى ويتقاضى مبالغ خرافية جدا تجعله يعيش مستورا هو وأهله لمئات السنين، أن يلجأ إلى الرشوة؟!!. مثل هذا المنصب يوفر لصاحبه مرتبا ضخما وحوافز كثيرة جدا فى إطار القانون، فلماذا يلجأ إلى الحرام؟!
سيقول قائل إن هناك أناسا كثيرين من ذوى النفوس الضعيفة، الذين يسهل عليهم الوقوع فى الحرام ويصعب عليهم مقاومته. طبعا هذا صحيح، وهنا يأتى السؤال الثانى الذى أراه منطقيا جدا وهو: ما الذى يصيب المرتشى بالعمى، والحول والغباء بحيث يظن أنه لن يسقط مفضوحا؟!
فى ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات صار الجميع مكشوفا وعريانا أمام الجميع. معظم التليفونات فى كل بلدان العالم صار يسهل «ركوبها»، أى السيطرة عليها، صوتا وصورة، والكاميرات فى كل مكان. بعد كل ذلك ألم يفكر أى مرتشٍ أن احتمالات سقوطه كثيرة، وأن احد الراشين قد يوقع به لينتقم منه؟!
حينما سقط وزير الزراعة الأسبق وتم القبض عليه فى ميدان التحرير، بعد خروجه من مقر مجلس الوزراء، وهو على رأس عمله، ظن البعض أن الجميع سوف يتعظ، لكن اكتشفنا أننا جميعا ساذجون.
بعدها شهدنا واقعة «المستشار»، وقلنا يومها إن هذه الواقعة التى تضمنت وقائع مشينة وجارحة، ستترك أثرا وعلامة، تجعل الآخرين لا يكررونها. ثم شهدنا واقعة نائبة محافظ الاسكندرية، ثم محافظ المنوفية السابق، لكن ومن مطالعة وسائل الإعلام اليومية، فإنه لا يكاد يمر يوم تقريبا، إلا ونقرأ خبرا عن قيام جهاز الرقابة الإدارية، بالقبض على أحد الفاسدين الكبار، إضافة بالطبع إلى «عشرات الفاسدين النص نص أو الصغار»!!
بالطبع هو نشاط جيد وملحوظ للرقابة الإدارية ينبغى علينا أن نشكر رجالها، وعلى رأسهم الوزير اللواء محمد عرفان. وفى المقابل علينا أن نعيد طرح السؤال الأزلى وهو كيف يمكن أن نغير بعض السياسات والقوانين والإجراءات، التى ربما تغرى البعض بالوقوع فى مصيدة الفساد؟!
قبل الإجابة على السؤال نؤكد أن الفساد موجود فى كل زمان ومكان، وفى الدول النامية والمتوسطة والمتقدمة، لكن الفارق الأساسى هو فى نسبة هذا الفساد هنا أو هناك.
إذا لاحظتم لم أتحدث بوضوح عن أسماء فى القضية الأخيرة، لأنها ما تزال مجرد اتهامات، سيفصل فيها القضاء قريبا، وكل الأمثلة التى ذكرتها، صدرت فيها أحكام قضائية.
لكن مرة أخرى ألا ينبغى علينا، خصوصا مجلس النواب أن يبحث فى القوانين والتشريعات والإجراءات التى تجعل كثيرين يتجرأون على السرقة والفساد والاختلاس والتربح بطرق مختلفة؟!
الموضوع ليس سهلا، وليس قاصرا على مجرد تغيير قوانين فقط، لكنه متعلق للاسف بثقافة عامة، ترسخت فى السنوات والعقود الماضية، وجعلت بعض شرائح المجتمع تتقبل العديد من السلوكيات والقيم الخاطئة والمنحرفة. وصار بعض الفاسدين نجوما يعظون عن «الاخلاق الحميدة ومحاربة الفساد»، أو تمكنوا من الافلات من جرائمهم بحيل متعددة.
نحتاج إلى بذل الكثير من الجهد، وأن نبتكر طرقا لتطويق ومحاصرة الفاسدين، ومنع وقوع مواطنين جدد فى هذه المصيدة الخبيثة التى تصيب الكثيرين باليأس من إمكانية نجاح أى عملية إصلاح اقتصادى أو إدارى أو سياسى.
مرة أخرى تحية للرقابة الإدارية، وعليها ألا تتوقف عن اصطياد حيتان الفساد وليس فقط «البساريا» الصغيرة.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع