بقلم: عماد الدين حسين
أين يمكن أن تسمع المصطلحات الاخبار والعناوين الآتية؟:
ــ الرئيس المهزوم يرفض الاعتراف بنتائج الانتخابات، ويتصل هاتفيا بأحد المسئولين المحليين ويدعوه لتزوير الانتخابات فى ولايته.
- الرئيس المهزوم يدعو انصاره للتظاهر.
ــ المتظاهرون يقتحمون مبنى البرلمان، ويعطلون جلسة مقررة لاعتماد نتائج الانتخابات الرئاسية، ويحطمون نوافذ مبنى البرلمان.
ــ محطة فضائية تصف مقتحمى البرلمان بالإرهابيين المحليين.
ــ الشرطة تشتبك مع مقتحمى البرلمان وتستخدم الغاز المسيل للدموع، وتطلب من الصحفيين الاستلقاء أرضا، ومن النواب استخدام أقنعة واقية من الغاز.
ــ مقتل أربعة أشخاص خلال عملية اقتحام البرلمان، وإصابة عدد من الجنود والضباط ونقلهم إلى المستشفى.
ــ بلدية العاصمة تطالب الحرس الوطنى بالتدخل.
ــ متاجر العاصمة تضع ألواحا خشبية على نوافذها تحسبا لأعمال شغب.
ــ حظر تجول فى العاصمة وإعلان التعبئة بقوات الحرس الوطنى لتقديم الدعم لقوات إنفاذ القانون.
- قادة العالم خصوصا أوروبا يطالبون الرئيس المهزوم وأنصاره بقبول قرار الشعب
العناوين والأخبار السابقة يفترض أننا نسمعها دائما فى بلدان العالم الثالث والرابع والخامس !!.
هى تتكرر كثيرا فى عواصم دول إفريقية وجمهوريات موز، لم تخرج من عهود الاستبداد، ونسمعها فى بلدان تخاصم الديمقراطية والتعددية والتسامح.
لكن هل يمكن أن تسمع مثل العناوين فى الولايات المتحدة أو أوروبا؟!
هذا الأمر كان من رابع المستحيلات، لكن الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته دونالد ترامب جعله ممكنا وواقعا مجسدا شاهده العالم أجمع، وأعاد أمريكا قرونا إلى الوراء، وجعلها لا تختلف شيئا عن أى دولة شديدة التخلف والاستبداد.
كانت بلدان كثيرة، تحلم بالصعود إلى النموذج الأمريكى، فكانت المفاجأة أن ترامب نزل بالنموذج الأمريكى إلى العالم المتخلف!!
ترامب فاعل أساسى فى الفضيحة العالمية التى ضربت الولايات المتحدة مساء يوم الأربعاء الماضى بتوقيت الشرق الأوسط، حينما حرض أنصاره على التظاهر، رافعا شعار «أوقفوا السرقة» هذه العبارة كانت تحريضا واضحا لأنصاره على اقتحام الكونجرس.
المتظاهرون كانوا يحملون فئوسا ومعاول ومطارق. كسروا النوافذ، واعتلوا الأسطح، ثم دخلوا القاعات الرئيسية للكونجرس ليقولوا لقائدهم وللعالم أجمع: نحن نحتل الكونجرس. هذا المشهد كان انقلابا كاملا على الديمقراطية التى تعرفها أمريكا. تعبير انقلاب ليس من عندى، لكن قالته السى إن إن وسياسيون ومشرعون أمريكيون ودوليون كثيرون.
تعودنا من قادة الولايات المتحدة وأوروبا والغرب عموما أن يصدروا تصريحات تدين وتشجب وتستنكر الممارسات الاستبدادية فى بلدان العالم الثالث، لكن لم يكن من المتصور أن نسمع مثل هذه التنديدات منهم بحق الولايات المتحدة.
رؤساء أمريكا السابقون أدانوا اقتحام الكونجرس.
جورج دبليو بوش قال إن هذا التمرد يلحق ضررا جسيما بأمننا وسمعتنا، وهذا الهجوم قام به «أناس أضرمت عواطفهم بالأكاذيب والآمال الزائفة».
باراك أوباما قال إن ما حدث «مخز وعار على بلدنا لكنه ليس مفاجئا من رئيس كذب بلا هوادة».
بيل كلينتون قال إن ما حدث اعتداء غير مسبوق على المؤسسات الأمريكية وعلى الدستور وعلى بلدنا، وهو نتيجة أربع سنوات من السياسات المسمومة والتضليل المتعمد.
والأمر نفسه تكرر من قادة العالم.
رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون وصف ما حدث بـ«المشاهد المخزية» وطالب بنقل سلمى للسلطة. ورئيس وزراء إسكتلندا نيكولا ستورجون وصف الأمر بأنه «مرعب للغاية» ورئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز قال: الديمقراطية الأمريكية سوف تتغلب على هذه المرحلة المتوترة وتوحد الشعب الأمريكى.
ووزير الخارجية الألمانى هايكوماسى طالب ترامب وأنصاره بالتوقف عن «دهس الديمقراطية».
والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون قال: نؤمن بقوة الديمقراطية الأمريكية.
ورئيس الوزراء الكندى قال إن ما يحدث مأساة.
وأمين عام حلف الأطلنطى وصف الاقتحام بأنه صادم جد.
صحيح أن أسس الديمقراطية الأمريكية راسخة وقوية وقادرة على تصحيح نفسها أولا بأول، لكن ما حدث لطّخ هذه التجربة لسنوات طويلة.
تأثير هذه الفضيحة سوف يستمر لسنوات، وسيعطى القادة المستبدين فى كل أنحاء العالم حجة قوية ليقولوا للمعترضين عليهم: «انظروا هذا ما يحدث فى أكبر دولة ديمقراطية فى العالم.. فلا تلومونا بعد الآن إذا ما فعلنا مثلهم».
إدانة الاقتحام أمر مهم لكن المقتحمين هم أيضا ضحية ترامب والآلة الإعلامية اليمينية المتعصبة، وبالتالى فإن الجزاء العادل أن يتم عزل ترامب وان يخضع لمحاكمة عادلة حتى يتم ردع كل من يفكر فى أن يقلده مستقبلا.