قبل شهور طويلة كتبت هنا عن مستثمر كبير اضطر أن يستقدم فنيى لحام من دول آسيوية، للعمل فى مشروع بترولى ضخم، يدفع لهم بالدولار، لأنه لم يجد فنيين مصريين، ويومها قال لى إنه كان مستعدا لأن يدفع ٤٠٠ جنيه للحام فى اليوم الواحد.
يعرف الجميع أننا نعانى من مشكلة ضخمة اسمها نقص الكوادر الفنية المدربة والمؤهلة فى العديد من المجالات من أول السباكين إلى أخطر التخصصات.
لدينا طوابير ضخمة من خريجى كليات نظرية لا يحتاجهم سوق العمل، فى حين أن الكوادر المؤهلة التى نحتاجها لا نجدها إلا بشق الأنفس.
إذا كيف يكون حل هذه المعضلة؟!
يفترض أن الحل بسيط وسهل، وهو أن تكون مناهج جامعاتنا بكل أنواعها مرتبطة بسوق العمل، بحيث تزودها بما تحتاج إليه من عمالة مؤهلة. هذا الأمر لم يكن متاحا وموجودا فى الماضى. الآن هناك بوادر ومؤشرات وشواهد أننا بدأنا نسير فى الاتجاه الصحيح.
خلال الأسبوع قبل الماضى دعانى الدكتور حمد رئيس الجامعة البريطانية فى مصر لحضور المؤتمر الذى نظمه مركز الجامعة لبحوث النانوتكنولوجى الذى يرأسه العالم الكبير الدكتور مصطفى السيد. فى هذا المؤتمر أو «قمة النانوتكنولوجى»، اجتمع أصحاب الأبحاث العالمية فى مجالات متنوعة مثل الصناعة والزراعة والمياه والصيدلة والطب والطاقة الجديدة والمتجددة. هؤلاء العلماء هم علامات بارزة فى النانوتكنولوجى فى المجالات التطبيقية المختلفة.
فكرة المركز كما يقول محمد فريد خميس رئيس مجلس أمناء الجامعة البريطانية، أن يكون ملكا لمصر بأكملها وليس للجامعة فقط، لأن تطبيقه سيعجل بالنجاح فى مجالات متعددة فى مصر.
البعض يعتقد أن النانوتكنولوجى قاصر فقط على مجال الأدوية، خصوصا تلك التى تتعلق بعلاج السرطان، لكنه يدخل فى الصناعة والزراعة والرى والعديد من المجالات.
الدكتور مصطفى السيد يقول إن هذا المركز هو الأول من نوعه فى المنطقة العربية وإفريقيا، من حيث الإمكانيات الفنية والمالية، وأن المصريين قادرون على النجاح فى هذا المجال طالما توافرت لهم الإمكانات.
طبعا جميعنا سمعنا عن النانوتكنولوجى مرتبطا باسم العالم الكبير مصطفى السيد، حينما تحدث عن استخدام هذه القضية فى علاج السرطان. الجديد الذى كشفه الدكتور السيد أخيرا خلال حواره مع برنامج ٩٠ دقيقة على فضائية المحور، أنه سيتم التنسيق الآن مع وزارة الصحة لإتاحة الفرصة لتجربة العلاج بـ«النانو جولد» على مرضى السرطان، من المصريين قريبا، بعد اختبارها على حيوانات التجارب. الخبر المفرح أن تكلفة العلاج بجزيئات الذهب تتساوى ماديا مع تكلفة العلاج الكيميائى المتعارف عليه.
نعود إلى فكرة الترابط والتنسيق بين البحث العلمى والمجالات التطبيقية فى كل المجالات. وقد تناقشت فى هذا الموضوع قبل أسابيع مع محمد فريد خميس، الذى قال لى إن فكرة المركز التابع للجامعة البريطانية هو تنفيذ هذا الأمر على أرض الواقع، بحيث تستفيد منه شركاته، وكذلك أى مجال تطبيقى فى مصر.
فى الأسبوع نفسه، كانت هناك بادرة أمل أخرى وهى مؤتمر حضرته فى المسرح المفتوح بدار الأوبرا، بدعوة كريمة من الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم بعنوان «مهنة فى صورة».
فى هذه الليلة انبهرت بالروايات والقصص التى استمعت إليها. وكلها تجارب «لشباب زى الورد فعلا»، درسوا فى التعليم الفنى. هم لم ينشغلوا بالثانوية العامة والمجموع والبكالوريوس والليسانس والماجستير والدكتوراة. التحقوا بالتعليم الفنى فى معاهد مختلفة، وحققوا نتائج باهرة، والتحقوا بشركات كبرى أو مشروعات خاصة صغيرة.
طبعا هذه البقعة الصغيرة من الضوء لا تصرف أبصارنا عن الواقع المزرى للتعليم الذى يسمى فنيا فى مصر، وهو لا يمت للتعليم الفنى بصلة، وبعض خريجيه لا يعرفون حتى كتابة اسمائهم باللغة العربية. والسؤال: كيف نستطيع أن نصلح من تعليمنا الفنى ليتحول إلى هذه النماذج الباهرة، بحيث يقدم للمجتمع «صنايعية» بحق من السباك إلى النقاش واللحام نهاية بخبير النانوتكنولوجى.
نتمنى أن تبادر كل الجامعات الحكومية والخاصة والأجنبية إلى تقليد ما فعلته الجامعة البريطانية فى مصر. فلن نتقدم إلا بالبحث العلمى الحقيقى الذى يتم تطبيقه فى خدمة المجتمع خصوصا الصناعة.
نقلا عن الشروق القاهرية