ليس سرًا أن كل من مصر والسعودية والإمارات والبحرين، لم تكن مرتاحة لبعض مواقف وزير الخارجية الأمريكى المقال ريكس تيلرسون.
يوم الأحد قبل الماضى، وحينما قابلت الأمير محمد بن سلمان ولى عهد السعودية، ضمن مجموعة من رؤساء تحرير الصحف، وكبار الإعلاميين والكتاب فى منزل السفير والوزير السعودى أحمد القطان، كان هناك نقاش مطول عن الأزمة مع قطر. يومها قال أحد الإعلاميين إن قطر تمكنت من فرض نفوذها فى العديد من البلدان الأوروبية وأمريكا.
محمد بن سلمان رد يومها بقوله إن هذا الأمر ليس صحيحا وإن التأثير القطرى فى الولايات المتحدة لا يتعدى مسئولا أو مسئولين، كما أن الاستثمارات السعودية فى الولايات المتحدة أربعة أضعاف نظيرتها القطرية.
أحد الزملاء ذكر اسم مسئول أمريكى باعتباره قريبا من قطر، لكن محمد بن سلمان قال إن ذلك ليس صحيحا، وحينما قلت إنه تيلرسون، لم يعلق ولى العهد السعودى واكتفى بابتسامة.
بعدها بيوم قابلت دبلوماسيا عربيا فى القاهرة، وسألته عن الاسم، فقال المؤكد أنه تيلرسون.
بلدان الخليج الثلاثة لم تكن مستريحة للوزير السابق، ليس فقط بسبب الأزمة القطرية، ولكن السبب الجوهرى
أنه كان من مؤيدى الحفاظ على الاتفاق الأمريكى الغربى مع إيران بشأن البرنامج النووى. وربما كان هذا الأمر هو السبب الرئيسى فى إقالة تيلرسون إضافة إلى الملفين الروسى والكورى الشمالى، باعتبار أن ترامب يريد من كبار مساعديه تبنى مواقفه الأساسية حتى لو كانت غير منطقية، ومن بينها العداء الواضح لإيران، وهو ما يتلاقى مع موقف بلدان الخليج.
بالطبع علينا ألا ننسى أن ترامب لم يتخذ هذا الموقف حبًا فى العرب أو نصرة «لأهل السنة والجماعة»، فى صراعهم مع إيران، ولكن من اجل عيون إسرائيل، التى لا تغفر للرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما توقيعه لهذا الاتفاق.
هناك تقارير كثيرة فى وسائل الاعلام الغربية والعربية عن محاولات خليجية لإقناع ترامب بإقالة تيلرسون، وهناك تقارير أخرى تتحدث عن شراكات اقتصادية بينه وبين القطريين، لكن هل عرب الخليج هم من أقالوا تيلرسون فعلا؟!.
أشك فى ذلك، وربما يكونون أحد العوامل، وربما كان السبب الاساسى هو شخصية ترامب المتقلبة، والتى جعلته ينقلب على أقرب أصدقائه ومساعديه مثل ستيف بانون مستشاره الاستراتيجى ومارك فلين مستشار الامن القومى السابق.
أسوأ اعتقاد أن يتعامل بعض العرب على أساس أنهم هم الذين أقالوا تيلرسون. أما الأكثر سوءا فهو اعتقادهم أنهم قادرون على توجيه سياسة الولايات المتحدة، لمجرد أن هناك بعض التوافق اللحظى مع بعض سياسات ترامب.
الدرس الأساسى الذى يخرج به أى مراقب للسياسة الأمريكية عموما، والخارجية خصوصا، أنها تتشكل بناء على المصالح العليا للولايات المتحدة وليس على مزاج أى مسئول فقط، حتى لو كان الرئيس الأمريكى نفسه.
نتذكر أن أوباما لم يكن سعيدا بثورة ٣٠ يونيو فى مصر، ورغم ذلك اضطر للتعامل معنا لأن وزارتى الخارجية والدفاع اقنعاه بذلك حرصا على مصالحهم العليا.
ونتذكر أيضا أن ترامب كان من أنصار التقارب مع روسيا قبل انتخابه، لكنه أذعن للتصورات الموجودة فى الكونجرس ومجمل مؤسسات «الدولة العميقة» هناك، خصوصا المؤسسة الامنية التى لا تزال تنظر لروسيا باعتبارها العدو الاخطر الآن، مقابل الصين العدو الاخطر مستقبلا.
إذًا الخطأ الفادح الذى يقع فيه بعض العرب، هو تصورهم أن الرئيس الأمريكى مطلق السلطات فى تقرير مستقبل بعض القضايا الكبرى.
طبعا هو له سلطات كبيرة، لكنه ليس وحده صاحب السلطة المطلقة، مثلما هو موجود فى العالم الثالث!!!.
من حق بعض الدول العربية أن تفرح لخروج تيلرسون، لكن عليها أن تتذكر أن مصالحنا تتحقق، حينما نملك أوراق ضغط حقيقية، وأن نفرق بين ما يفعله ترامب بسبب مزاجه المتقلب، وتأييده الكاسح لإسرائيل، وبين أنه حليفنا الاستراتيجى، وحتى لا نوهم أنفسنا بأننا كعرب من نوجه وندير السياسة الخارجية لأمريكا!!!
نقلا عن الشروق القاهرية