بقلم - عماد الدين حسين
قبل أيام فكرت فى الكتابة عن إمكانية استنساخ التهدئة فى شبه الجزيرة الكورية، ونقلها إلى منطقتنا العربية، لكن من سوء الحظ فإن تطورات الأوضاع السلبية فى منطقتنا تتسارع، وصارت أقصى أمانينا ألا تندلع الحرب.
حتى شهرين مضيا كانت الآمال عظيمة، أن تتجه المنطقة للهدوء خصوصا بعدما أعلن ولى العهد السعودى محمد بن سلمان أن بلاده تدرس التعامل مع بشار الأسد طالما ابتعد عن إيران.
اليوم المنطقة تتجه إلى حرب يقول البعض إنها قد تكون محدودة، ويخشى البعض أن تتحول إلى شرارة لحرب عالمية ثالثة. السؤال الجوهرى: هل مضى وقت الحديث عن حل سلمى يحفظ أرواح وثروات ومقدرات المنطقة؟ الإجابة صعبة، لكن فى عالم السياسة لا يوجد مستحيل.
السؤال الثانى: هل هناك ملائكة وشياطين فى هذا الصراع؟
من وجهة نظرى فإن غالبية اللاعبين والفاعلين متورطون، خصوصا إسرائيل، فى حين أن الضحية أو الملائكة هم شعوب المنطقة، خصوصا الشعب السورى، المغلوب على أمره منذ شهر مارس ٢٠١١.
كدنا نستبشر خيرا بإمكانية التهدئة فى المنطقة، وشهدنا بعض المؤشرات على ذلك، خصوصا إعلان ترامب عزمه الانسحاب من سوريا. فجأة تبدل كل شىء، وتم ــ على ما يبدو ــ اختراع حكاية الكيماوى فى الغوطة الشرقية، وهكذا حدث العدوان الثلاثى الأمريكى الفرنسى البريطانى على سوريا، وقبلها وبعدها العدوان الإسرائيلى المستمر.
وقبل أيام تمت أكبر ضربة إسرائيلية ضد مواقع سورية، يقول البعض إنها الأشد منذ فض الاشتباك عام ١٩٧٤، ويقول البعض الآخر إنها الأعنف منذ عام ٢٠١١. وتتحجج إسرائيل بأنها مواقع إيرانية.
السؤال الذى يراه البعض متأخرا جدا هو، لماذا لا نفكر كعرب فى الوصول إلى تسوية مع إيران بدلا من تكرار مأساة حرب الثمانى سنوات «١٩٨٠ ــ ١٩٨٨»، بين العراق وإيران، والتى أدت لمقتل الملايين وإهدار ثروات ومقدرات الأمة بأكملها وليس العراق وايران، ولم يستفد منها إلا إسرائيل وتجار ومصانع السلاح فى الدول الكبرى؟!!.
كانوا يقولون إن رئيس كوريا الشمالية غريب الأطوار، ويمارس هواية اللعب بالرءوس النووية والصواريخ البالستية، ثم فوجئنا بأنه تصرف كرئيس مسئول جدا ــ حتى الآن على الأقل ــ والتقى رئيس كوريا الجنوبية وزار الصين، ثم التقى بوزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو قبل أيام، ويستعد للقاء ترامب فى ١٤ يونيه المقبل فى سنغافورة.
السؤال البديهى: إذا كنا كعرب قد جلسنا مع قادة ومسئولى العدو الصهيونى، ووقع بعضنا اتفاقيات سلام معه، وبعضنا الآخر يعيش الآن معهم فى مرحلة الحب والخطوبة ويستعد للتوقيع، فلماذا لا نفكر فى تكرار ذلك مع إيران؟!!!.
سوف يرد على البعض منتقدا، ويقول وهل تحمل المسئولية للعرب فقط، وهل تنظر لإيران باعتبارها الملاك والحمل البرىء؟.
الإجابة هى لا قطعا، وحكومة إيران تتحمل المسئولية نفسها، التى تتحملها غالبية الحكومات العربية، وأحد الأسباب الرئيسية لهذه المأساة أنها تسعى لاستغلال اللافتة الطائفية الشيعية، لتحقيق مصالح ونفوذ قومى فارسى، ولولا تدخلها فى اليمن والعراق ولبنان وسوريا، ما وصلت المنطقة إلى هذه الحالة البائسة.
العرب هم الأضعف حالا للأسف هذه الأيام، وصاروا مفعولا به. ولذلك فإن إيران وحكومتها، ومرشدها يتحملون الجانب الأكبر من المسئولية، وعليهم أن يأخذوا زمام المبادرة، ويثبتوا فعلا أنهم يريدون أن يكونوا جارا طيبا وحقيقيا للعرب.
أتمنى أن تبادر إيران وتوقف دعمها للحوثيين فى اليمن، وترفع يدها عن التدخل فى العراق ولبنان وسائر المنطقة.
أحلم بأن يعلن المرشد على خامنئى، صاحب السلطة الحقيقية، وليس حسن روحانى، عن مبادرة توقف المد والشحن الطائفى.
فى المقابل أتمنى أن يبادر الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد وأى مسئول عربى، إلى الاعلان عن استعداده لزيارة إيران ومد اليد العربية لها، حتى يوقف اندلاع حريق بدأنا نرى شرره يتطاير، فوق سماوات الشام المستباحة، اضافة إلى الحريق المستمر فوق اليمن والسعودية.
سيقول البعض إننى أحلم، ويقول البعض الآخر إننى أخرف، لكن إذا كنا نتباهى بالجلوس والاتصال بالصهاينة، أليس من حقنا أن نسأل ولماذا لا نجلس مع الإيرانيين؟!!. على الأقل لكى نثبت لنا ولهم وللعالم أجمع أننا سننقب وننبش ونبحث عن كل فرصة للتوصل إلى سلام، قبل اندلاع الحريق الكبير؟!.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع