بقلم: عماد الدين حسين
إبراهيم عبدالناصر..
أم متهمو الفيرمونت؟!
من الذى يعبر عن مصر والمصريين؟!
الشاب المجتهد بائع الفريسكا إبراهيم عبدالناصر وأمثاله، أم الشباب المتهمون فى جريمة الفيرمونت، أم أن كلا النموذجين موجودان بالمجتمع؟!
هذا السؤال يحلو للبعض أن يجب عليه بطريقة الأبيض والأسود، وعدد كبير من الناس وفى لحظات اليأس أو الحماس، يفضل أن يلجأ إلى التعميم، خصوصا إذا كان هذا التعميم سلبيا.
رأيى الواضح أن الأكثر تعبيرا عن مصر والمصريين ــ أو ما أتمناه ــ هو الشاب إبراهيم عبدالناصر، الذى تفوق فى الثانوية العامة هذا العام بمجموع ٩٩٫٦٪، وتمكن من الالتحاق بكلية الطب، هو كان يبيع الفريسكا على شواطئ الإسكندرية ليساعد أسرته، إبراهيم خطف قلوب الجميع ونال احترامهم لأنه تحدث فى فيديو قصير، بصورة بسيطة ومعبرة عن آماله وطموحاته، لم يخجل من عمله، طالما أنه شريف، ورأيى أن الجندى المجهول فى هذه القصة هو من قام بتصوير ونشر الفيديو.
الفيديو انتشر بصورة لم يتخيلها أحد، وانهالت على إبراهيم العروض من أكثر من جامعة عرضت عليه الدراسة المجانية.
ووزارة التعليم العالى مشكورة، وفرت له منحة كاملة لدراسة الطب، وخيرته بين جامعة الجلالة الجديدة أو الإسكندرية، فاختار الأخيرة ليكون قريبا من أسرته.
وقال وزير التعليم العالى د. خالد عبدالغفار لإبراهيم: «اعتبر نفسك فى أى جامعة فى مصر مهما كان ثمنها، ونتكفل بالمصاريف والإقامة».
شركات اتصالات وشخصيات عامة ورجال أعمال مصريين وعرب، عرضوا وقدموا العديد من المساعدات والهدايا لإبراهيم.
لماذا تعاطف الناس مع إبراهيم عبدالناصر الذى يبيع الفريسكا منذ كان تلميذا فى الصف الرابع الابتدائى لمساعدة أسرته؟.
لأنه يمثل لهم الصورة المثالية للكفاح والمثابرة والاجتهاد والتفوق والنبل والاعتزاز بالأصل، ناهيك عن ابتسامته الصافية والتلقائية.
لكن الحياة للأسف ليست بهذه المثالية!. هناك نماذج مخزية ومخجلة ومقرفة، إذا صح ما تم تناقله حتى الآن من تفاصيل عن جريمة فيرمونت، المتهم فيها تسعة أشخاص باغتصاب فتاة بعد تخديرها.
الحادثة تعود إلى ٢٠١٤، لكن المجنى عليها لم تشكو للنيابة إلا قبل أسابيع، عبر المجلس القومى للمرأة.
التفاصيل التى تتسرب، تقدم لنا الصورة الأكثر انحطاطا لبعض الشباب، الذين يعتقدون أنهم قادرون على فعل أى شىء، طالما أنهم يملكون المال والنفوذ.
ثم بدأنا نعرف أن الأمر ليس قاصرا على الاغتصاب ولكنه يتضمن ممارسات وأفعال فاضحة مشينة، ورغم كل شىء فإن الجريمة الأصلية هى الاغتصاب، الذى إذا صحت وقائعها، ينبغى أن ينال أصحابها العقوبة الأشد، ليكونوا عبرة لغيرهم.
نعود للسؤال الذى بدأنا به: من يمثل المصريين إبراهيم عبدالناصر، أم متهمو الفيرمونت وأمثالهم».
مرة أخرى أعتقد أن نموذج إبراهيم هو الغالب، دون أن يعنى ذلك إنكار أن متهمى الفيرمونت لم يهبطوا علينا من المريخ، فهم أيضا للأسف جزء من المجتمع.
نموذج إبراهيم عبدالناصر موجود بكثرة جدا لكن نحن لا نراه، أو ربما نراه، لكن لا نركز عليه أو نحتفى به بما يستحقه.
النماذج الناجحة والمشرقة والمحترمة موجودة بكثرة، وسط الناس العاديين، لكن الإعلام فى كل العالم لا ينشغل كثيرا بالعادى، هو يريد النماذج الفاقعة أو المثيرة.
أن يذهب الإنسان لعمله كل صباح، ويؤديه بكل إخلاص وإتقان، ويكون بارا بأهله ومجتمعه فهذا فى الإعلام ليس خبرا، يتوقف عنه الجميع، لكن أن يكون هناك شاب غنى جدا ومن عائلة معروفة، ويرتكب جريمة فهذا هو الخبر المثير، أن تلتقط فنانة صورة سيلفى لنفسها بلباس البحر، فهذا خبر يتابعه كثيرون، أم أن تكون هذه الفنانة أو أحد أقاربها متهمين فى قضية تتضمن جنسا ومخدرات، فهى الجريمة المثالية التى يتابعها الملايين ليل نهار!!.
دور الإعلام المهنى والواعى أن يركز على نماذج إبراهيم عبدالناصر، وتقديمهم للمجتمع، حتى يكونوا القدوة.
عليه ألا ينشغل ليل نهار بأمثال متهمى الفيرمونت، ولكن عليه ألا «يطنشهم» تماما.
طبعا نتمنى أن يكون المجتمع بكامله مليئا بنماذج إبراهيم عبدالناصر، لكن الواقع مختلف، والموضوعية تحتم علينا القول إن هذا المجتمع به كل النماذج، من أول متهمى الفيرمونت إلى اللصوص والمدمنين، لا يوجد مجتمع مثالى كامل، لكن مهم على هذا المجتمع أن يبذل كل الجهد ليجعل النماذج الناجحة والمتميزة هى الأغلب، ونماذج فيرمونت مجرد حالات استثنائية.
تحية تقدير لإبراهيم عبدالناصر فى كل مكان بمصر، هذا النموذج هو الذى يعطينا الأمل فى الغد، وأنه وأمثاله قادرون على تجديد الدماء المصرية الأصيلة والشهمة والنبيلة والصابرة والمكافحة والقادرة دوما على حشر أمثال متهمى الفيرمونت فى الركن باعتبارهم الاستثناء وليس الأصل.