الرياضة يمكنها أن تقرب بين الشعوب وتصلح ما تفسده السياسة، كما يمكنها أن تباعد وتدمر كما حدث فى المباراة المشئومة بين مصر والجزائر فى أم درمان عام 2009.
مساء الأربعاء الماضى لعب المنتخب السعودى لكرة القدم مباراة ودية دولية مع المنتخب العراقى فى استاد جذع النخلة بالبصرة، انتهت بفوز العراق بأربعة أهداف مقابل هدف واحد.
كرويًا هى نتيجة ثقيلة نظرًا لمستوى المنتخب السعودى الذى كان أول المتأهلين عربيًا لنهائيات كأس العالم فى روسيا، لكن هذه المباراة تحديدًا، لم تكن مجرد مباراة كروية، هى المرة الأولى التى يلعب فيها المنتخب السعودى فى العراق منذ أربعين سنة، بسبب الظروف السياسية والأمنية الصعبة التى عاشها العراق الشقيق منذ الحرب مع إيران من ١٩٨٠ إلى ١٩٨٨، ثم غزو الكويت عام ١٩٩٠، وبدء الحصار الأمريكى الغربى على العراق، حتى غزوه عسكريًا فى مارس ٢٠٠٣، والتداعيات المأساوية التى نتجت عن الغزو، خصوصًا استنبات وزرع المنظمات الإرهابية هناك والتى لا تزال بقاياها موجودة هناك.
العراق يهدف من هذه المباراة، ومباريات أخرى مشابهة لرفع الحظر الذى فرضه الاتحاد الدولى عليه بمنع استضافة المباريات الرسمية، ويتمنى أن تكون هذه المباراة فاتحة خير لبدء تدفق المنتخبات العربية لتلعب فى ملاعبها، حتى لو كانت مباريات ودية أو لا.
كان منظرا جميلا تصافح اللاعبين معا، وهتافات الجماهير التى زادت عن ٥٠ ألف متفرج للسعودية، بل وتدشينها هاشتاجًا قبل المباراة عنوانه: «دارك يا الأخضر».
بالنسبة لى الموضوع أكبر بكثير من مباراة كروية، أو حتى محاولة الحكومة العراقية كسر الحظر الدولى، الموضوع يتعلق بضرورة احتضان البلدان العربية للعراق، حتى لا يغرق فى الدوامة الإيرانية.
غالبية البلدان العربية، ارتكبت خطيئة استراتيجية عظمى، حينما تركوا العراق فريسة للأطماع الإيرانية، بعد الغزو الأمريكى الهمجى عام ٢٠٠٣، علاقة صدام بالخليج كانت ملتبسة، وأعتقد أن الطرفين وقعا فى أخطاء كارثية قادت إلى تدمير العراق أولا، ويجرى الآن تنفيذ الجزء الثانى من المخطط بتدمير منطقة الخليج، بل والمنطقة العربية بأكملها.
معظم العرب اعتقدوا أن الذهاب للعراق بعد الغزو الأمريكى سيعنى تطبيعا ومباركة للاحتلال. ونتيجة لهذه الرؤية القاصرة، فإن إيران ــ التى كانت ولا تزال تصف أمريكا بـ«الشيطان الأكبر»، هى التى دخلت العراق، فى ظل الوجود الأمريكى، واستثمرت فى غالبية السياسيين العراقيين. وكانت أفضل فتراتها حينما تولى نور المالكى رئاسة الحكمة العراقية، حيث فتح بلاده أمام إيران، بحيث صارت تتحكم فى قطاعات مختلفة هناك، مستغلة الإرهاب الأسود الذى ضرب العراق خصوصا بعد سيطرة تنظيم داعش الإرهابى على مساحات واسعة بالعراق، بدأت بالموصل فى يونيو ٢٠١٤، وتمددت إلى مناطق شاسعة غرب العراق، إلى أن تمكن الجيش العراقى من دحر داعش قبل شهور إلى حد كبير.
نتيجة الابتعاد العربى عن العراق، وأحيانا التأييد الخليجى لداعش والقاعدة، وتنظيمات كثيرة مشابهة، زادت النبرة المذهبية والطائفية، وهو الأمر الذى شجعته إيران، لأنه أتاح لها دخول العراق وفرض كلمتها هناك بفعل وجود ميليشيات الحرس الثورى التى يقودها قاسم سليمانى هناك، إضافة إلى التغلغل الاقتصادى حيث تتحدث تقارير متواترة عن سيطرة إيرانية على العديد من المجالات الاقتصادية.
العراق كان عربيا وسيظل عربيا، ونحن أخطئنا كثيرا، حينما تركناه هدفا سهلا أمام الأطماع الإيرانية تارة، والأمريكية تارات أخرى.
يحسب للدبلوماسية السعودية، أنها بدأت تقترب أكثر فأكثر من العراق، حيث استقبلت العديد من الرموز السياسية العراقية مثل مقتدى الصدر الذى تقول تقارير أنه يضيق ذرعا بالهيمنة الإيرانية، كما استقبلت أيضا رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى، الذى خفف إلى حد ما من القبضة الإيرانية الخانقة على بلاده.
يحتاج العراق من كل العرب أن يذهبوا إليه، وألا يتركوه سواء لإيران أو لأمريكا أو للإرهابيين حتى يعود فعلا بوابة العرب الشرقية، ويحتاج العرب إلى البحث عن صيغة خلاقة تمنع سقوط سوريا أيضا فى نفس المصير، للأسف صار العديد من المسئولين الإيرانيين يتحدثون بلغة استعلائية فارسية، عن سيطرتهم على صناعة القرار فى سوريا والعراق واليمن ولبنان، نريد من الإيرانيين أن يكونوا جيرانًا طيبين يربط بيننا العديد من الوشائج، والموقع الذى لن يتغير، لا نريدهم أن يتعاملوا معنا باعتبارنا مختلفين عنهم مذهبيا، أو أننا مجرد قبائل هائمة فى الصحراء ينبغى أن نخدمهم فى ديوان كسرى!.
نقلا عن الشروق القاهرية