بقلم - عماد الدين حسين
أن تقنع مستثمرا أجنبيا بأن يأتى إلى مصر ويضع أمواله فى مشروعات، فهذا أمر ليس سهلا. ومن حسن حظى أننى حضرت لقاء ظهر الخميس قبل الماضى فى بلدة جبلية صغيرة جدا، ولكنها فاتنة اسسها دولنبرج، تقع فى ولاية بادن فورتمبرج.
اللقاء خاطب فيه الدكتور أشرف منصور رئيس مجلس أمناء الجامعة الألمانية نحو عشرين من رجال كبار الأعمال المهتمين بالاستثمار فى مصر، وبعدها بساعة كان هناك لقاء ضم مائة من كبار رجال الاعمال والشخصيات العامة من الولاية الاغنى فى ألمانيا، من بينهم كلاوس كينكل وزير الخارجية الالمانى الاسبق من 1992 إلى 1998.
الدكتور منصور أعد ورقة مهمة عنوانها «١١ سببا» تدفع أى رجل أعمال للاستثمار فى أى دولة أجنبية. منصور يتحدث الألمانية كأهلها، وربما أفضل أحيانا.
هو درس فى جامعة «اولم» فى نفس المنطقة، وعمل أستاذا فى جامعتها، قبل أن يعود للقاهرة ليؤسس الجامعة الألمانية، التى صارت تمثل ٤٢٪ من حجم كل المشروعات الألمانية الثقافية مع كل العالم.
الأسباب التى عددها منصور للمستثمرين تبدأ من وجود خريجين على مستوى عالمى، يماثلون الموجودين فى بلد المستثمر، وفى رأيه أنهم موجودون فى مصر، خصوصا من خريجى الجامعة الألمانية. والسبب الثانى هو وجود بحث علمى وتطوير، بحيث لا يضطر المستثمر إلى الاتصال بالسنترال كل لحظة ليحل له المشكلة التى تواجهه، وفى هذه الحالة فإن العنوان الذى سيبحث عنه المستثمر سيكون الجامعة الألمانية، التى ستكون مهيأة لتسهل له كل ما يحتاجه من أول الجلوس مع المسئولين، نهاية بتقديم النصائح والاستشارات. والسبب الرابع هو وجود إصلاح تشريعى حقيقى فى مصر، مصحوب بتوفر حوافز للاستثمار، خصوصا بعد صدور القانون.
هناك أيضا ميزة مهمة هى تنوع الاقتصاد المصرى، وعدم اعتماده على نشاط واحد، مثلما هو حادث مثلا فى دول الخليج. سبب آخر كما قال الدكتور أشرف منصور هو الإصلاح الاقتصادى، خصوصا تعويم الجنيه، الأمر الذى أتاح زيادة الصادرات وتقليل الاستيراد، ويجعل أى مستثمر يأتى لمصر، يربح كثيرا من الإنتاج والتصدير، وليس من توريد السلع لمصر.
العامل السابع هو العمالة المتوافرة خصوصا فى سن الشباب، حيث إن من هم فى الفئة العمرية من ١٥ ــ ٤٩ عاما يزيدون عن نصف سكان المجتمع، كما أن أجورهم زهيدة ما يعنى تخفيض تكلفة الاستثمار، وكذلك فإنه مما يشجع أى مستثمر، هو زيادة الناتج الصناعى بنسبة ١٧٪ فقط خلال عام ٢٠١٧.
سبب آخر هو البنية التحتية المتوفرة، خصوصا الطرق المعبدة والمطارات والموانئ والنقل النهرى والبحرى، إضافة إلى الطفرة فى الكهرباء، وبدء إنتاج حقل ظهر من الغاز.
سبب آخر هو وجود سوق كبيرة فى مصر تمثل ١٠٠ مليون نسمة، وإمكانية النفاذ إلى العالم العربى «٤٠٠» مليون نسمة، وسوق إفريقية يزيد عدد سكانها عن مليار نسمة. وأخيرا هناك سبب مهم من وجهة نظر الدكتور أشرف منصور هو الاستقرار الاقتصادى والسياسى، الذى لا غنى عنه لأى مستثمر.
المستثمرون الألمان جادون بطبعهم، شأنهم شأن غالبية الشعب الألمانى. كل واحد منهم كان شديد الإنصات. بعضهم أحضر ورقة وقلما ليسجل كل النقاط، وبعد نهاية اللقاء، بدأوا يسألون الدكتور منصور، فى كل التفاصيل من أول فرص الاستثمار فى كل منطقة ومجال، إلى قانون الاستثمار وتفاصيله، نهاية بالاستقرار الأمنى والسياسى، باعتباره العامل الحاسم فى إقامة أى مشروع استثمارى. سألوا أيضا عن مدى وحجم تدخل الدولة فى الاقتصاد.
لدينا فرص عظيمة كثيرة لجذب المستثمرين، لكن للموضوعية، فأمامنا جهد كبير ينبغى بذله، حتى يأتى المستثمرون، بالصورة التى نحلم بها.
من حسن الحظ أن اسم مصر ما يزال يشد غالبية الألمان، المولعين بالحضارة الفرعونية بصورة يصعب وصفها، لكن بطبيعة الحال فإن المستثمر لن يأتى الينا «من أجل عيون الفراعنة» ونظرة أبوالهول والأهرامات وأبوسمبل وجسد نفرتيتى، ولكن حينما يوقن أنه سيكسب وسيحول أرباحه لبلده، ولن يتعرض لأى مضايقات أو للروتين القاتل الذى لا نعرف ــ حتى الآن ــ كيف سنتخلص منه للابد.
نقلا عن الشروق القاهريه