فى العاشرة والنصف من صباح الأحد الماضى، وبعد أن افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسى قاعدة شرق القناة لمكافحة الإرهاب فى سيناء، صافح الوزراء ورؤساء التحرير والإعلاميين، وقبل أن يدخل لإحدى قاعات القاعدة للاستماع إلى شرح وتقييم العملية «سيناء 2018»، التفتنا حوله، وبدأنا نسأله فى موضوعات مختلفة.
خلال حديثه عن جماعات ومنظمات التطرف، والإرهاب وخطورتها على مصر، سألنى الرئيس: «أليس كذلك يا أستاذ عماد؟!، أومأت برأسى موافقا، وقلت له: «صحيح يا سيادة الرئيس».
فى هذه الوقفة ذكر الرئيس جماعة الإخوان للمرة الأولى باسمها. هو ومنذ 30 يونيو يتحدث عنها بصيغ مختلفة، أشهرها «أهل الشر»، وإن كنت أعتقد أن الرئيس يقصد بهذا المصطلح طيفا واسعا من جماعات وبلدان يرى أنهم يريدون إسقاط مصر، وليس فقط الإخوان.
رأيى الواضح والمنشور هنا، وقلته فى الفضائيات المصرية والعربية والأجنبية المختلفة، أن جماعة الإخوان صارت تمارس الإرهاب وتتباهى به علنا.
قبل هذا كتبت فى هذا المكان أيضا مدافعا عن ثورة الشباب فى يناير، وتأييد الجيش لها، وحق الجماعة فى الحكم، عقب فوزها فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية نهاية عام 2011 ومنتصف 2012، طالما كانت هناك انتخابات تعددية نزيهة ومستمرة، وليست على غرار التجرية الايرانية، التى يتحكم فيها المرشد الأعلى!. ووجهت لوما عنيفا للأحزاب المدنية لأنها لم تبن قواعدها الجماهيرية.
تغير موقفى تماما، ومواقف كثيرين مثلى حينما كشفت الجماعة عن وجهها الحقيقى بالإعلان الدستورى فى 22 نوفمبر 2012، الذى امم الحياة السياسية لمصلحة مكتب الإرشاد!
وفى خطابه أواخر يونيو 2013، اكد الرئيس الأسبق محمد مرسى هذا الوجه حينما هدد بحبس الصحفيين والسياسيين.
كان أمام الجماعة حل عبقرى، بأن تقبل انتخابات مبكرة، فحتى لو خسرتها، ستضمن وجودها كحزب المعارضة الرئيسى، وقد تعود لاحقا بصورة افضل، على غرار ما حدث فى تونس. وكان أمامها حتى مساء 3 يوليو 2013 أن تستمر فى المشهد كقوة سياسية معترف بها، لكنها أصرت على المعادلة الصفرية، أى الحصول على كل شىء أو خسارة كل شىء!!
حشدت الجماعة أنصارها فى ميدانى رابعة والنهضة، وسمعنا قادتها على منصة رابعة يهددون المجتمع بأكمله. وعندما تم فض الاعتصام، خرج اعضاء وأنصار الجماعة يدمرون ويحرقون المنشآت العامة. ثم تطور الأمر إلى استهداف محطات ومحولات وأبراج الكهرباء ــ التى هى ملك للشعب وليس للحكومة أو الرئيس أو الجيش.
حتى هذا الوقت كنت أظن أنه لا علاقة للإخوان بهذه الأعمال الاجرامية، إلا أنه تم ضبط خلايا وشبكات يديرها عضو مكتب الإرشاد محمد كمال، الذى قتل لاحقا. هؤلاء اعترفوا في "قضية وائل طاحون" بانهم ارتكبوا اعمال ارهابية، وهو ما تأكد لاحقا بخروج العديد من المجموعات الإخوانية مثل «حسم» و«لواء الثورة»، التي تبنت عمليات إرهابية متنوعة.
ولا ننسى «بيان نداء الكنانة» الذى أصدره من تركيا قادة الجماعة من مختلف أنحاء العالم في 27 مايو 2015، وطالبوا فيه بقتل الضباط والقضاة والإعلاميين والسياسيين المناهضين للأخوان، واعتبروا أن مكافحة الإرهاب فى سيناء تديمر للمنطقة!!.
حتى بريطانيا التى رعت الجماعة طويلا، اعتبرت أن جزءا منها يمارس الإرهاب، وهو ما فعلته أمريكا لاحقا حينما صنفت «حسم» كجماعة إرهابية.
كان عندى اعتقاد أنه يمكن دمج الأحزاب الدينية فى العملية السياسية، بحيث يتحول الدين إلى مرجعية روحية، لكن وبعد ما رأيناه فى المنطقة بأكملها، واستغلال الاسلام السياسى بكل مذاهبه كأداة لتقسيم وتفتيت المنطقة، فقد ثبت خطأ اعتقادى.
لا يمكن لأى دولة تريد التقدم أن تسمح بأحزاب على أساس دينى، سواء كانت مسلمة أو مسيحية أو يهودية، سنية أو شيعية، لأنها ستقود إلى الفتنة والخراب إن آجلا أو عاجلا.
لكن السؤال الجوهرى: هل حظر جماعة الإخوان أو أى جماعات متطرفة وملاحقتها أمنيا فقط سيقضى عليها؟!
الإجابة هى لا. الحظر والملاحقة والاعتقال وحتى القتل كلها إجراءات قد تحد من الظاهرة، لكن لن تقضى عليها.
الحل الحقيقى هو أن تؤمن الحكومة وأجهزتها، بأن القضاء على التطرف والارهاب، هو تقديم بديل سياسى مدنى جذاب، لأنه إذا لم يحدث ذلك، فستعود هذه القوى الظلامية اليوم أو غدا للأسف الشديد.
التنمية الشاملة والسماح للقوى السياسية المدنية بالعمل، هو الذى يقضى على التطرف والارهاب
نقلا عن الشروق القاهرية