النقاد والمتخصصون كتبوا وسيكتبون عن مباراة بطولة السوبر المحلى بين الزمالك والأهلى التى أقيمت ليلة الخميس الماضى فى أبوظبى، وانتهت بفوز الزمالك بضربات الجزاء الترجيحية.
وفى السطور التالية سأتناول بعض الملاحظات السريعة غير المتعلقة بالمستوى الفنى.
أولا: المباراة وأحداثها سيطرت تماما علی وسائل التواصل الاجتماعى قبل بدايتها وبعد نهايتها بساعات. كانت هى الشغل الشاغل للمصريين تقريبا. وباستثناءات قليلة، فقد هيمنت المباراة على «التايم لاين».
وسواء أحببنا ذلك أو كرهناه فقد انشغل الجميع بالمباراة، وبالطبع قرأت لقلة قليلة حسرتها وحزنها على أن المصريين تركوا قضاياهم الرئيسية لينشغلوا بالمباراة. وأصحاب هذا الرأى لا يريدون أن يدركوا أن مثل تلك النغمة تجاوزها الزمن، وأن الاهتمام بالكرة ليس شأنا مصريا، بل هو عالمى بامتياز.
ثانيا: هناك ما يشبه الإجماع على أن المستوى الفنى للمباراة كان ضعيفا جدا، وفى أفضل الأحوال متوسطا، ولو قارنا هذا المستوى بما نشاهده فى الدوريات الخمسة الكبرى عالميا أى الإنجليزى والإسبانى والإيطالى والألمانى والفرنسى، فسوف نكتشف أن ما نمارسه فى مصر ليس كرة قدم بمعناها العالمى. ورغم ذلك ثبت أنه حتى هذا المستوى الضعيف فنيا، محل اهتمام وشغف من غالبية المصريين.
ثالثا: التنظيم الإماراتى فى المباراة كان ممتازا، والأمر نفسه ينطبق على التنظيم القطرى لبطولة السوبر الإفريقية قبل أسبوع فى الدوحة. كذلك الأمر بالنسبة للإخراج التلفزيونى. أقول ذلك حتى نسأل أنفسنا لماذا نخفق، وهل الأمر متعلق بالإمكانيات المادية فقط؟!
رابعا: من الواضح أن جماهير الزمالك لا تزال كبيرة، والتعليق المتكرر بعد الفوز هو أن «الخلايا النائمة الزملكاوية» كثيرة، ان كل من يئسوا من أداء الزمالك فى السنوات الماضية قد عادوا لتشجيع ناديهم مرة أخرى، خصوصا أنهم فازوا بكأسين سوبر إفريقى ومحلى فى أقل من أسبوع.
خامسا: أسوأ ما فى السوبر هو الروح الرياضية السيئة التى شاهدناها فى الملعب، أعرف أن المكايدات بين جمهور الناديين قديمة، وسوف تستمر. وأعرف أن الهتافات البذيئة موجودة فى المدرجات وفى الشوارع حتى لو كان الأهلى أو الزمالك يواجه فريقا آخر.
لكن ما حدث عقب المباراة كان مسيئا جدا لنا حميعا. وما فعله اللاعبون عبدالله جمعة ومحمود شيكابالا ومحمود كهربا وطارق حامد لا ينبغى أن يمر من دون عقاب. من حق الناس أن تفرح لكن من دون هذه «المسخرة»!.
كاميرات تلفزيون أبوظبى منعت بث هذه المشاهد المخلة، لكن أمكن لكثيرين أن يشاهدوا ما حدث، ويشعروا بالخجل. والطريقة التى تصرف بها طارق حامد وكهربا لم تكن موفقة بالمرة.
فى المقابل فما فعله لاعبو الأهلى بخلع الميداليات الفضية بمجرد تسلمها أمر غير رياضى بالمرة أيضا.
المأساة فيما حدث أن هؤلاء النجوم هم قدوة لملايين الشباب صغير السن. وبالتالى علينا ألا نتفاجأ حينما نجد الأجيال الجديدة، لا تعرف شيئا عن الروح الرياضية.
هؤلاء النجوم هم الذين يزرعون روح التعصب الممقوت فى نفوس الناس ولا ننسى أن بعض كبار المسئولين فى الناديين صاروا أكثر انفلاتا من اللاعبين والجماهير. وعلى الحكومة وأجهزتها ان تتدخل لوضع حد لهذا التدنى، حتى لا نتفاجأ بكوارث أسوأ.
سادسا: علينا أن نسأل «ما الذى حدث للمصريين؟».
يفترض أن نوعية الجماهير التى ذهبت لاستاد محمد بن زايد «غالبيتهم من المصريين المقيمين بالإمارات. أو الذين سافروا من مصر وبعض دول الخليج لحضور المباراة، وبالتالى فهم متعلمون جدا ومستوياتهم المالية والاجتماعية جيدة. يعنى طبقة وسطى أو ما فوقها.
يعنى أيضا هم ليسوا «ثالثة يمين أو ثالثة شمال» وإذا كان هذا هو المستوى الأخلاقى لعدد كبير من الجماهير فعلينا أن نعترف أن تغيرا مهما طرأ على المصريين. ولم يعد الأمر قاصرا على الحارات والأحياء الشعبية وبعض سائقى التكاتك، بل انتقل لفئات كثيرة تستمع لأغانى المهرجانات، وتسب وتلعن بنفس الطريقة.
سابعا: بهذا التدنى فى المستوى الأخلاقى، فأغلب الظن أن عودة الجماهير إلى الملاعب المصرية بصورة كاملة. لن تكون قريبا، لأنه لولا الأمن الإماراتى الصارم، لحدث ما لا يحمد عقباه، وقد رأينا اشتباكات كثيرة وجماعية بين اللاعبين، وتحرش من اللاعبين بالجماهير، وهى المادة الخام للانفلات والفوضى.
ثامنا: من سوء الحظ أن غالبية كتابات محررى الرياضة فى الجانبين كانت أقرب إلى جمهور الترسو. أى إنهم يكتبون وكأنهم مشجعون. وباستثناءات قليلة احتوت على رؤية موضوعية، فقد كانت غالبية الكتابات على السوشيال ميديا تنتمى إلى الروح القبلية وتجارى الروح المتعصبة لبعض الجماهير. فى النهاية مبروك للزمالك هذا الفوز المعنوى المهم، ونتمنى أن ينشغل من يهمه الأمر بعلاج الأزمات والمشكلات التى رأيناها ليلة الخميس.