بعد نهاية رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى يوم الأحد الماضى، قد يسأل البعض: من الذى استفاد أكثر: مصر أم الاتحاد الإفريقى؟!.
السؤال قد لا يعجب البعض، وربما يفضلون صيغة، ما هى المكاسب التى عادت على الطرفين؟!.
فى كل الأحوال هناك إجابة تقليدية، تدور حول ما فعلته مصر خلال توليها رئاسة الاتحاد الإفريقى، وهذه الإجابة لن نتوقف عندها، فقد تحدث عنها كثيرون، وبدلا منها، سوف أركز على نقطة قد لا تشغل بال كثيرين، وهى عودة مصر الحقيقية إلى القارة الإفريقية، وانخراطها فى قضايا القارة المختلفة، والأهم أن المواطنين العاديين بدأوا يتعودون على أن جزءا أصيلا من هويتنا إفريقى فعلا، وليس مجرد جملة أو تعبير نردده أثناء انعقاد القمم أو المؤتمرات الإفريقية الكبرى.
هذه الروح أو عودة إحساس المصريين بالهوية الإفريقية بجانب عروبتهم، مسألة مهة جدا، وكانت موجودة بقوة فى الخمسينيات والستينيات فى أوج تألق ثورة يوليو ١٩٥٢، التى قدمت مساعدات ضخمة للعديد من شعوب وبلدان القارة لنيل استقلالها من المستعمر، ثم ساعدتها بعد الاستقلال، وفى تلك الفترة كانت العلاقات المصرية الإفريقية فى ذروتها، فى كل المجالات. وكانت إفريقيا داعما كبيرا ومهما لمصر فى كل المحافل الإقليمية والدولية.
لكن قبل أن نتحدث عن عودة إفريقيا ومصر لبعضهما البعض، علينا أن نتحدث بسرعة عن أسباب هذا الابتعاد؟
بعد رحيل عبدالناصر وزيارة السادت للقدس واتفاقيات كامب ديفيد فى حقبة السبعينيات من القرن الماضى حصل ما حصل، ومن بين ما حدث أن مصر الرسمية بدأت تبتعد عن إفريقيا، مفضلة إما النظر غربا حيث الولايات المتحدة وأوروبا، أو شرقا حيث الوطن العربى.
ليس عيبا أن تكون لنا علاقات جيدة وقوية مع وطننا العربى، أو مع العالم أجمع، لكن بشرط ألا يكون ذلك على حساب العلاقات مع إفريقيا، حيث منابع مياه النيل، وحيث عمقنا الاستراتيجى وحيث السوق الكبيرة والموارد الاقتصادية المختلفة التى يمكن أن تفيدنا فى مجالات كثيرة.
ربما يرى البعض أن تواصلنا مع إفريقيا استمر لسنوات بعد عبدالناصر خصوصا حينما تولى بطرس بطرس غالى الملف أواخر السبعينيات ومعظم الثمانينيات.
لكن الابتعاد الأكبر كان بعد محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى يوليو ١٩٩٥، بعدها استدرنا بالكامل شطر أوروبا وأمريكا، وتجاهلنا إلى حد كبير إفريقيا، التى كانت قد بدأت هى أيضا تبتعد عنا، خصوصا إثيوبيا، التى بدأت تناكفنا ومعها جنوب إفريقيا، ونيجيريا، والثلاثة كانوا يعتقدون معظم الوقت، أن ابتعاد مصر عن إفريقيا يفسح لكل منهم إمكانية قيادة القارة، وبالتالى فالخطأ لم يكن فقط من قبل نظام مبارك، بل كان من قوى إفريقية كثيرة، بدعم من قوى دولية.
إثيوبيا كانت تتحين الفرصة طوال الوقت لإقامة سدود على النيل الأزرق، وتمكنت من إقناع غالبية دول حوض النيل، لنسف اتفاقيات ١٩٢٩ و١٩٥٩، وتأسيس كيان بديل فى عنتيبى، كل ذلك حدث قبل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، لكن الفوضى العارمة التى وقعت فى مصر بعد الثورة منحت أديس أبابا الضوء الأخضر للسير فى بناء سد الألفية أو النهضة، ولم يكن غريبا أن يكون الإعلان عن المشروع فى الأيام الأولى لثورة يناير، ثم تحويل مياه النيل فى إبريل ٢٠١١، والسير فيه بخطوات متسارعة فى لحظات الضعف المصرى، لكن من الخطأ الكبير الزعم أن ثورة يناير، وحدها كانت السبب فى هذا التحول، لأن هناك أسبابا متراكمة على مدى سنوات.
حتى حينما قامت ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، قرر الاتحاد الإفريقى تجميد عضوية مصر، لأنها من وجهة نظر الاتحاد خالفت مواثيق الاتحاد.
لكن دولا كبرى فى القاهرة أيدت هذا التعليق، ليس حبا فى الديمقراطية، بل لضمان إبعاد مصر، حتى ينفسح المجال لها، خصوصا فى ملف دخول دولة إفريقية إلى مجلس الأمن فى حالة توسيع العضوية.
عادت مصر للاتحاد فى يونيو ٢٠١٤، وكانت أول جولة خارجية للرئيس عبدالفتاح السيسى لحضور قمة الاتحاد الإفريقى فى مالابو فى غينيا الاستوائية، كانت رسالة واضحة أن مصر ستعيد إصلاح بوصلتها للتوجه جنوبا، كان البعض يعتقد أن هذا التوجه شكلى، لكن ثبت أن ذلك غير صحيح، وأنه توجه جوهرى؛ حيث حرص السيسى على حضور كل القمم الإفريقية.
وما بين تجميد عضويتها قبل سبع سنوات، وهذه الأيام، جرت فى النهر مياه كثيرة. رسميا عادت مصر للاتحاد الإفريقى، وصارت رئيسة له.
السؤال الأهم هو: هل انعكس هذا النشاط الرسمى على العلاقات الشعبية، أى بين مصر والشعوب الإفريقية؟!. سؤال يحتاج إلى إجابة أكثر تفصيلا.