بقلم: عماد الدين حسين
فى الخامسة من مساء يوم الجمعة الماضى كنت أمر من مدينة نصر إلى التجمع الخامس، شاهدت شبابا كثيرين يحتفلون بنصر أكتوبر ويحملون أعلام بلدهم، وفى المساء كان هناك حفل غنائى لعدد من كبار نجوم الغناء.
فى نفس الليلة تحدثت مع الإعلامى معتز الدمرداش فى برنامج ٩٠ دقيقة، وكذلك مع قناة النيل للأخبار عن مغزى وأهمية الاحتفال بنصر أكتوبر المجيد.
فى المداخلتين وبعد تهنئة الشعب المصرى بهذا الانتصار العظيم، وبعد الإشادة بفكرة الاحتفالات طالبت بضرورة التأكد من مدى معرفة غالبية المصريين بانتصار أكتوبر ومعناه وأهميته.
جيد أن نحتفل بانتصار أكتوبر، وجيد أن يتجمع الناس خصوصا الشباب فى الشوارع والميادين للاحتفال بالانتصار، لكن الأهم أن نتأكد أن المحتفلين وغالبية المصريين خصوصا الشباب يعرفون ويدركون نصر أكتوبر ومعناه.
أطرح هذه النقطة لأننى أعرف أن حجم الوعى بنصر أكتوبر بل وصراعنا مع إسرائيل، لم يعد كما كان سابقا.
دليلى على ذلك أننى سألت عددا متنوعا من التلاميذ الذين يدرسون فى مدارس لغات أو أجنبية أسئلة مباشرة عما يعنيه لهم حرب أكتوبر فكانت النتيجة صادمة.
أسباب ذلك كثيرة، وعلى سبيل المثال فإن مادة التربية الوطنية المقررة على طلبة الثانوية العامة خصوصا فى الشهادات البريطانية «IG» ليست مادة نجاح ورسوب.
أحد التلاميذ لم يكن قد فتح الكتاب حتى قبل الامتحان بأسبوع واحد، وعندما ناقشته، فجعت بأن المشكلة لا تخصه فقط بل تخص غالبية زملائه، الذين يتلقون تدريسا جيدا وجادا فى مدرستهم بالنسبة للغات والمواد العلمية الأخرى، لكنهم لا يكترثون كثيرا لمادة التربية الوطنية التى يفترض أنها إحدى أهم الأدوات لغرس الانتماء لبلدهم فى نفوسهم.
لا أقول إن جميع التلاميذ الصغار لا يعرفون ماذا حدث فى أكتوبر ١٩٧٣، ولكن الصورة ليست وردية، وليست كما نتمنى.
الدليل الثانى أننى شاهدت واستمعت فى السنوات الماضية لحوارات تليفزيونية ميدانية فى الشارع، لمذيع أو مذيعة تسأل عينات عشوائية من الشباب عن أكتوبر وماذا يمثل لهم؟!
الإجابات كانت أكثر من صادمة، جزء لا يعرف عن أكتوبر إلا أنها كوبرى أو جسر مهم فى القاهرة!!!، وجزء ثان قال إنها مدينة فى الجيزة، وجزء ثالث قال إنها الحرب التى انتصرت فيها مصر على إسرائيل.
وأظن أيضا أن هناك إهمالا لمادة التربية الدينية التى لم تعد مادة نجاح ورسوب، علما أنها مادة شديدة الأهمية أولا للتصدى للأفكار المتطرفة والظلامية، وثانيا للتشديد على الروادع الأخلاقية التى يتحدث عنها الدين. أتمنى أن نجد طرقا جديدة ومبتكرة لزرع الوعى فى نفوس وعقول الشباب الجديد فيما يتعلق بتاريخهم وهويتهم وانتصاراتهم المجيدة، خصوصا أننا نواجه الآن هجمة شرسة جدا، تحاول إقناعنا بأن إسرائيل دولة عادية جدا، وأن المشكلة كانت فينا نحن العرب الذين فهمناها غلط!!
قبل سنوات قليلة زرت اليابان، وكان البرنامج يتضمن زيارة متحف مدينة هيروشيما التى ضربتها الولايات المتحدة بالقنبلة الذرية فى صيف عام ١٩٤٥. فى هذا اليوم وأنا داخل متحف هيروشيما رأيت تلاميذ المدارس اليابانية يزورون المكان مع معلميهم، لكى يعرفوا تاريخهم وما الذى حدث.
نحتاج إلى وجود نشاط منظم لكى يعرف أولادنا انتصاراتنا ومعاركنا وأعداءنا الحقيقيين وأصدقاءتنا كذلك، حتى لا يتم غسل عقول هؤلاء التلاميذ حينما يكبرون سواء لمصلحة التنظيمات المتطرفة، أو الدول المعادية. أتمنى أن ينشغل المسئولون عن إعداد المناهج الدراسية والجامعية بهذه القضية، ويفكروا فى وسائل فعالة لكى نعلم أولادنا تاريخنا ومعاركنا وقضايانا الكبرى ليس بصورة صماء، ولكن بصورة جذابة وبعرض كل وجهات النظر الوطنية، حتى يكون لدينا عقول تفكر بصورة نقدية وتستطيع أن تواجه الخصوم والأعداء وما أكثرهم هذه الأيام!!