على «النيوزبار» أو الشريط الموجود فى أسفل شاشة إحدى الفضائيات العربية مساء امس الاول الاثنين، العنوان التالى: «مقاطعة عربية ودولية كبيرة لحفل افتتاح السفارة الأمريكية فى القدس».
استغربت تماما، وأدركت أننا وصلنا إلى درك نسأل الله ألا يكون هناك قاع جديد بعده!!
عندما تقول مقاطعة عربية لحفل نقل سفارة أمريكا للقدس العربية المحتلة. فكأنما نريد أن نقول بمفهوم المخالفة إنه من المفترض أن يحضر العرب هذه الحفلة المسمومة أو المشئومة! وبالتالى فإن غيابهم عنها هو انتصار كبير ينبغى أن نحتفل به نحن العرب المغلوبين على أمرنا.
حينما يصف حزب العمال البريطانى المعارض، قتل جيش الاحتلال الإسرائيلى لأكثر من 57 فلسطينيا وإصابة أكثر من 2000 آخرين فى اليوم نفسه، بأنه مجزرة، فى حين أن بعض الأحزاب والقوى السياسية العربية، لم تكلف نفسها بإصدار بيان قوى ومتماسك ومحترم ومبدئى، فاعلموا أننا وصلنا إلى هاوية من دون قرار.
الحكومة البريطانية ــ التى احتفلت مع إسرائيل بالذكرى المئوية لوعد بلفور المشئوم فى ٢ نوفمبر ٢٠١٧، انتقدت قرار نقل السفارة وكذلك العديد من الحكومات فى أوروبا.
المشاهد والصور والفيديوهات لمجزرة إسرائيل صباح يوم الاثنين الماضى، تقول بوضوح إن إسرائيل حصلت على الضوء الاخضر من كل القوى فى العالم لتنفذ هذه المجزرة وغيرها.
لم نعد نرى من العالم حتى بيانات الشجب والإدانة، التى كنا نسخر منها فى الماضى. وحتى البيانات المطالبة بالتهدئة أو عدم استخدام القوة المفرطة من قبل الاحتلال لم نعد نراها كثيرا. علينا ألا نلوم هؤلاء طالما ان بعض المواقف العربية صارت اسوأ من اسوأ المواقف الدولية!!
بعض الفضائيات العربية ومن باب «زر الرماد فى العيون» أفردت مساحات واسعة للتغطية، حينما أدركت أنه لا يمكن «الصهينة» على سقوط هذا العدد الضخم من الشهداء والمصابين فى ساعات قليلة. بعض هذه الفضائيات كان هادئا أكثر من اللازم قبل هذه المجزرة، لكن بعدها، كان صعبا الاستمرار فى هذا الصمت المريب.
موقف هذه الفضائيات تحسن إلى حد كبير، حينما صدرت بيانات إدانة وشجب من الحكومات العربية ضد المجزرة وضد قرار تنفيذ نقل السفارة، وبالتالى وجدت هذه الفضائيات سندا تتكئ عليه، واستعادة جزء من قاموسها القديم ضد الاحتلال الصهيونى والدعم الأمريكى غير المشروط له.
هل نلوم الإعلام العربى فى هذه الأزمة أم نبرئه أم نشفق عليه؟!
تقديرى أن غالبية وسائل الإعلام العربية تستحق الشفقة هذه الأيام، فهى انعكاس للأوضاع الشاملة فى الأمة، من سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية وثقافية، بل وحتى كروية.
غالبية وسائل الإعلام العربية مملوكة للحكومات أو قوى قريبة من هذه الحكومات. والأخيرة صار بعضها يرى أن إيران هى العدو الأخطر عليها، وليس إسرائيل.
سمعنا وقرأنا بعض المسئولين العرب يبرر قيام إسرائيل بقصف مواقع سورية بحجة أن بها عسكريين إيرانيين!! حتى لو كان ذلك صحيحا، فهل يتطلب الأمر التأييد السافر للعدو، الذى ما يزال يحتل القدس وسائر الضفة وغزة والجولان ومزارع شبعا ويحاصر غزة؟!
أفهم أن نختلف مع إيران، حيث إنها تمارس تمددا قوميا فارسيا تحت غطاء اللافتة الشيعية، وتتدخل فى الشئون العربية بفجاجة منقطعة النظير، وأفهم أن نختلف مع حركة حماس، لأنها ذراع لجماعة الإخوان فى فلسطين، ولعبت دورا كبيرا لمصلحة إسرائيل، فى تعميق الانقسام الفلسطينى منذ عام ٢٠٠٧. وأفهم أن ننتقد إيران وحزب الله وحماس بلا حدود فى كل الملفات تقريبا، لكن أن ينحاز بعضنا إلى العدو الصهيونى فى عدوانه، أو إلى قرار ترامب المأساوى بنقل السفارة، فهو أمر لا يمكن فهمه أو تبريره، وسيظل عارا يلاحق أصحابه لزمن طويل. القدس عربية وستظل عربية.. وكل المجد لشهداء فلسطين الذين يدافعون بصدورهم العارية نيابة عن الأمة بأكملها.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع