بقلم: عماد الدين حسين
يوم الأحد قبل الماضى نشرت فى هذا المكان مقالا بعنوان: «شكرى وأبوالغيط فى بيروت»، وتمنيت فيه لو أن المسئولين الكبيرين، سارعا بالتوجه إلى بيروت بمجرد وقوع الانفجار فى ميناء بيروت، حتى يبعثا رسالة للبنان بأن مصر وكل العرب هم أول من يعلن التضامن العملى مع لبنان فى محنته.
صباح يوم النشر تلقيت اتصالا مهما ومطولا من دبلوماسى عربى كبير، كان على علم بتفاصيل زيارة السفير أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى بيروت.
المسئول شرح لى تفاصيل الزيارة بقوله إن الحادث وقع فى الخامسة من مساء يوم الرابع من أغسطس، وتم التواصل مع الجانب اللبنانى بعدها بأقل من أربع وعشرين ساعة فقط. هم قالوا لنا إن هناك طلبات زيارة كثيرة جدا من كبار المسئولين العرب والأجانب، وإن افضل مواعيد متاحة صباح الثامن أو التاسع من أغسطس، وإن يوم السابع من الشهر محدد لزيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، ويفضلون أن يأتى الأمين العام أو أى ضيف كبير فى يوم مختلف حتى يمكن استقباله بصورة لائقة.
الأمين العام وافق فورا على يوم الثامن، وعندما عاد الجانب اللبنانى ليلفت نظر الجامعة العربية، إلى أنه فى نفس اليوم وربما التوقيت سيزور نائب الرئيس التركى ووزير خارجيته بيروت ووزراء أوروبيون وكانت صيغة السؤال أو المعلومة حتى يمكن للجامعة إذا أرادت أن تؤخر زيارة الأمين العام.
لكن الإجابة جاءت سريعة، بأن الزيارة لابد أن تتم فى نفس اليوم، حتى لا يقال إن الأتراك أو الأوروبيين سبقوا الجامعة العربية إلى بيروت.
الدبلوماسى شرح بقية الصورة قائلا: الرئيس الفرنسى سبق الجميع، لأن هناك وضعية خاصة لفرنسا فى لبنان، منذ كانت هى دولة الانتداب، وما يزال لها نفوذ وتأثير فى لبنان حتى الآن.
ثم إن ترتيب الزيارة لم يكن سهلا، فالأمين العام كان يريد مقابلة الرؤساء الثلاثة أى الرئيس اللبنانى ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، إضافة لرؤساء الأحزاب الكبرى، وكل ذلك يحتاج إلى وقت وترتيبات، خصوصا فى ظل هجمة الزيارات الدبلوماسية العربية والأجنبية على بيروت بمجرد وقوع الانفجار.
وحتى سامح شكرى كما يقول الدبلوماسى العربى، لم يتأخر فى السفر، فلم يسبقه أى مسئول عربى بارز أو حتى أوروبى باستثناء وزير خارجية الأردن، وهو فى النهاية مسئول عربى، وليس أجنبيا.
ثم إن شكرى وأبوالغيط أعلنا الدعم المصرى والعربى الكامل للبنان فى محنته، ورسالة التضامن العربية وصلت فورا إلى لبنان وشعبه، كما يقول الدبلوماسى العربى.
هذا هو جوهر ما قاله لى الدبلوماسى العربى صباح الأحد الماضى. وبالطبع مما يسعد أى عربى، أن يسارع الأمين العام للجامعة العربية وكبار المسئولين العرب إلى زيارة لبنان، كى يقفوا بجانبه فى هذه المحنة الصعبة، طالما أن ذلك يرتبط بدور عربى فاعل هناك وليس دور المتفرج.
بجانب ما كتبته فى المرة الماضية عن أهمية التوقيت، فالمعنى الذى ربما لم يصل إلى كثيرين أن هدف كلماتى، لم يكن فقط مجرد المسارعة بالزيارة، بل أن يكون لنا كعرب التأثير الأكبر فى لبنان بحكم أن الأخير بلد عربى مهم، وكان لأوقات طويلة ترمومتر المنطقة العربية، إن تقدما أو تخلفا.
لم يكن هدف المقال فقط الحديث عن التوقيت، ومن كان السباق بساعة أو بيوم، لكن جوهر الأمر دار ويدور حول الدور العربى فى لبنان ومدى تأثيره.
لا أحمل الجامعة العربية أو أمينها العام أحمد أبوالغيط فوق طاقتهم كما يفعل كثيرون بحسن نية، أبوالغيط لا يملك جيشا يحركه من الجامعة، أو أموالا سائلة أو حتى مجمدة يدعم بها هذه الدولة أو تلك. الجامعة هى محصلة للأوضاع العربية التى نعرفها جميعا وهى ليست فى أفضل أحوالها.
ولأسباب يطول شرحها وصلنا إلى حالة أصبحت فيها إيران وتركيا وإسرائيل الأكثر تأثيرا فى العديد من الدول العربية، وليس فقط فى لبنان، إضافة للقوى الكبرى.
عموما يبقى السؤال الذى يستحق المزيد من البحث والتفكير هو: كيف يخرج لبنان من محنته، وهل الذين عرضوا المساعدات ونظموا المؤتمرات، والتقطوا الصور التذكارية فى ميناء بيروت سواء كانوا عربا أم أجانب، سيقدمون المساعدات للبنان من دون شروط، أم أن هناك شرطا أساسيا لن يتنازل عنه الجميع؟!