بقلم: عماد الدين حسين
بعد ساعات قليلة من إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الأسبوع الماضى، لخطة أو صفقة بشأن ما أسماه السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، التقيت مع مسئول عربى رفيع المستوى يتابع الملف عن قرب.
هذا المسئول يشغل منصبا مهما فى بلده، وسبق أن عمل سفيرا لبلاده فى الولايات المتحدة، ويعرف آليات صنع القرار فى واشنطن.
المسئول يقول إنه تربى وعاش حياته على أساس أن القضية الفلسطينية هى قضية العرب المركزية، وأنه فى الحد الأدنى لابد من إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيه ١٩٦٧، بعاصمتها القدس العربية.
يقول هذا المسئول إن أحد مشاكلنا العربية الجوهرية هى أننا لا نتعلم من الأخطاء ولا نستفيد من دروس الماضى البعيد والقريب، وبالتالى نكرر الوقوع فى الأخطاء بسذاجة منقطعة النظير.
هو يشرح الأمر بأننا نخلط دائما بين الشعارات والمواقف المبدئية وبين كيفية التحرك العملى على الأرض.
هو يشرح الأمر بقوله إنه من المهم أن نركز دائما على المبادئ المتعلقة بالقضية، أى ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة، وذات حدود واضحة وعاصمتها القدس، ورفض نقل السفارات الأجنبية إلى القدس المحتلة، وضرورة إزالة المستوطنات غير الشرعية، وعودة اللاجئين إلى ديارهم التى هُجروا منها.
وبنفس الأهمية أن يكون لدى العرب، حكاما ومحكومين، رؤية واضحة لكيفية التعامل مع الواقع على الأرض، وكيفية مواجهته.
لا يعنى الكلام السابق، التسليم بالرؤية الإسرائيلية المدعومة أمريكيا، فهى رؤية أو خطة أو صفقة فاسدة وظالمة ظلما بينا، ونتبنى وجهة نظر إسرائيلية متطرفة يراد أن يقبلها الفلسطينيون، من دون نقاش، بل ويشكرون ترامب على كرمه!
المسئول العربى يقول إن الاكتفاء بالشجب والإدانة والرفض لا يكفى فى مثل هذه المحطات المفصلية، بل يجب أن تكون هناك خطة بديلة ب، ج، ود أيضا!!
من وجهة نظرة فإن رفض الخطة فقط، سيكون خبرا إسرائيليا سعيدا، خصوصا أنها متسلحة بدعم أمريكى غير مسبوق.
الحل ليس أن يقبل الفلسطينيون ومعهم العرب بالخطة، بل يفكرون فى وسائل تمنع فرض «مخطط ترامب نتنياهو» على الأرض.
هذا المخطط يستهدف إقناع العالم، بأن الفلسطينيين يرفضون أى حل يطرح عليهم، وبالتالى يحق لإسرائيل أن تنفذ دورها فى الخطة، أى ضم غور الأردن والمستوطنات، التى صارت تملأ الضفة الغربية، وهو ما يعنى فرض أمر واقع، قد يصعب تغييره مستقبلا، كما حدث فى العديد من المحطات المهمة والكبرى فى الصراع العربى الإسرائيلى.
هذا المسئول يقول إن موازين القوة شديدة الاختلال بين الفلسطينيين ومعهم غالبية العرب، وبين إسرائيل.
الأخيرة استفادت من كل الكوارث التى حدثت فى الوطن العربى فى السنوات الاخيرة، لأسباب مختلفة أهمها الحروب الأهلية، وتفشى فيروس الإرهاب، والاستبداد الذى قاد لتفتت وتفكك هذه البلدان.
وجهة نظر هذا المسئول أن الحكومات يفترض أن يكون موقفها مختلفا، ولا تكتفى بإصدار بيانات الشجب والإدانة، لأن أمريكا وإسرائيل، لا تهتمان بذلك، بل ربما ترحبان بها، طالما أنها لن تمنعها من تنفيذ المخطط على الأرض.
وقد تكون بعض الحكومات العربية مغلولة اليد فى التصدى للمخطط، أو غير قادرة، أو حتى مشاركة فى المخطط ومؤيدة له، فما الذى ينبغى للفلسطينيين وبقية القوى العربية الداعمة لهم أن يفعلوه فى هذه الحالة؟!
لابد أن تكون للفلسطينيين والقوى العربية الداعمة من مؤسسات وجمعيات ونقابات وقوى مجتمع مدنى خطط محددة وواضحة، للتحرك الفاعل على كل المستويات خارجيا وإقليميا وداخل الأرض المحتلة.
كانت هناك تجربة جيدة ولا تزال فاعلة، وهى حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل والمعروفة اختصارا بـ «P.d.S»، والتى بدأت فى ٩ يوليو ٢٠٠٥ بنداء من ١٧١ منظمة فلسطينية غير حكومية. ضد إسرائيل حتى تنصاع للقانون الدولى، وتهدف لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، هى إنهاء الاحتلال الإسرائيلى، وتفكيك الجدار العازل، والاعتراف بالحقوق الأساسية للفلسطينيين، وإعادة اللاجئين الفلسطينيين.
هذه الحملة أثرت فى إسرائيل بصورة كبيرة، خصوصا فى الغرب وجعلتها تدفع ثمنا كبيرا من سمعتها التى كان كثيرون فى الغرب يعتبرونها نظيفة وأنها واحة للديمقراطية وسط محيط من الاستبداد.
السؤال الذى يطرحه هذا المسئول وغيره: هل يمكن للعرب والفلسطينيين خصوصا القوى المدنية أن يبتكروا وسائل جديدة مثل الـ «B. D. S» بحيث يوقفون فرض إسرائيل وترامب للأمر الواقع، إلى حين تتغير موازين القوى الظالمة ويتمكن الفلسطينيون من الحصول على حقوقهم المشروعة؟!