بقلم - عماد الدين حسين
كيف نقرأ الحادث الإرهابى الأخير، الذى استهدف أتوبيس رحلات كان متجها من سوهاج إلى دير الأنبا صمويل المعترف فى جبل القلمون الغربى، قبالة مركز العدوة فى المنيا، وأدى إلى استشهاد سبعة وإصابة سبعة آخرين، طبقًا للمصدر الأمنى؟!
حادث يوم الجمعة الماضى يمكن أن نقرأه من أكثر من زاوية.
الأولى زاوية التوقيت، فهو يريد أن يسحب الاهتمام والتركيز من افتتاح مؤتمر الشباب فى مدينة شرم الشيخ، المؤتمر بدأت فاعلياته غير الرسمية منذ الأربعاء الماضى، والرئيس عبدالفتاح السيسى افتتح مسرحه الرئيسى مساء الجمعة، ثم افتتح الحدث الأصلى مساء أمس السبت. غالبية وسائل الإعلام المحلية والعربية، بدأت الاهتمام بالمؤتمر والتركيز على ندواته وورش عمله وفاعلياته، وجاء الحادث الإرهابى، ليجعل العديد من وسائل الإعلام تركز عليه، وتهتم به.
بعد الحادث بساعة واحدة تلقيت اتصالات من قناة عربية وأخرى دولية للتعليق على هذا الحادث، علما أن قناة عربية أخرى كانت تريدنى التحدث عن مؤتمر الشباب بشرم الشيخ، لكنها غيَّرت جدول تغطيتها لتتحدث عن الحادث الإرهابى، إذن الإرهابيون سجلوا نقطة وحققوا هدفا مؤقتا.
فى زاوية التوقيت أيضا فإن الإرهابيين يريدون بعث رسالة لأجهزة الأمن وسائر المصريين بل والليبيين، بأن نجاح الجيش الوطنى الليبى فى القبض على الإرهابى وضابط الجيش المصرى المفصول هشام عشماوى قبل أسابيع فى مدينة درنة الليبية، لا يعنى أن عملياتهم الإرهابية سوف تتوقف. وأظن أن هذه الرسالة هدفها أن تصل أيضا إلى أولئك الذين يمولون هذه العمليات الإرهابية، حتى يستمر ضخ الأموال والإمداد بالأسلحة.
هذا فيما يتعلق بالتوقيت، لكن أظن أن الرسالة الأهم هى الموجهة من هذه التنظيمات إلى أعضائهم وأفرادهم ومؤيديهم، بأنهم لا يزالون قادرين على شن الهجمات.
المتابع لحجم ومستوى العمليات سوف يكتشف أنها تتراجع بصورة مطردة منذ بداية العملية الشاملة «سيناء ٢٠١٨»، وبالتالى فالإرهابيون يريدون أن يطمْئنوا أنصاربهم وداعميهم، بأنهم لا يزالون قادرون على التحرك والتأثير، حتى لو كان ضئيلا.
الزاوية الثانية أن الإرهابيين لا يزالون يعتقدون أن استهداف الإخوة الأقباط، سيكون له رد فعل أقوى، خصوصا فى الخارج. هم فعلوا ذلك ضد كنائس طنطا والإسكندرية والكاتدرائية، بل واستهدفوا نفس زوار هذا الدير فى مايو ٢٠١٧، وقتلوا يومها ٢٨ شخصا. لكن علينا ألا ننسى أن هؤلاء الإرهابيين عمليا لا يفرقون بين مسيحى ومسلم، والدليل هو عمليتهم الإجرامية غير المسبوقة، حينما اقتحموا مسجد قرية الروضة بوسط سيناء وقتلوا أكثر من ٣٠٠ طفل وشيخ وشاب كانوا يؤدون صلاة الجمعة قبل أكثر من عام.
وبالتالى، وحتى مع أهمية التوقيت والرسائل، فإن الإرهابيين ينفذون عملياتهم، حينما يكونون قادرين على ذلك، حتى لو لم يكن هناك توقيت معين أو دلالة خاصة بمناسبة أو حدث أو ذكرى.
الزاوية الثالثة.. نعلم تماما أن هناك صعوبة كبيرة فى السيطرة الدائمة واليقظة المستمرة لأى جهاز أمنى طوال ٢٤ ساعة وكل يوم. خصوصا إذا كانت منطقة صعبة جدا، جغرافيا كتلك المحيطة بدير الأنبا صمويل. لكن المؤكد أن هناك ضرورة للتفكير فى وسائل أخرى لضمان تقليل هذه العمليات وإجهاض معظمها قبل وقوعها. نعم يصعب تماما منع أى عمل إرهابى والدليل أن العمليات تقع كل يوم وفى كل العالم مثلما شاهدنا قبل أيام ضد أحد مراكز الشرطة فى قلب تونس، أو ضد أحد المعابد اليهودية فى الولايات المتحدة الأمريكية. لكن أتصور أنه حان الوقت للتفكير فى استغلال التكنولوجيا لمطاردة الإرهابيين فى هذه المنطقة الوعرة جغرافيا.
الإرهاب لن يتلاشى أو يختفى بين عشية وضحاها. لكن بمزيد من اليقظة والفهم يمكن تقليل آثاره حتى نصل إلى مرحلة القضاء التام عليه. وهى مرحلة لا تخص فقط الإجراءات الأمنية، لكنها تخص المجتمع بأكمله.
نقلا عن الشروق القاهرية