بقلم - عماد الدين حسين
كيف يمكن أن نفهم موقف مواطن عربى ينحاز إلى العدو الإسرائيلى ضد سوريا والجيش السورى والشعب السورى؟!
وأتفهم وأفهم أن ينحاز بعض العرب ضد بشار الأسد ونظامه، لصالح المعارضة المدنية السورية، بل ويمكننى تفهم أن ينحاز ضد بشار لمصلحة القاعدة والنصرة وسائر التنظيمات الإرهابية إذا كان قد أصيب باليأس الكامل أو حتى فقد عقله معتقدا أن هناك أملا فى هذه التنظيمات!
لكن أن يراهن سورى أو عربى على إسرائيل ويفرح لها ولعدوانها فذلك هو الجنون الكامل.
يوم السبت الماضى واصلت إسرائيل شن غاراتها العدوانية فى العمق السورى، واستهدفت مطار T4 شمال شرق حمص، ودمرت منشآت عسكرية، وقتلت ثلاثة سوريين، وأثناء عودتها تصدت لها أنظمة الدفاع الجوى السورى، فأسقطت إحداها، فى إجراء هو الأول من نوعه منذ حرب أكتوبر المجيدة عام ١٩٧٣.
شخصيا فرحت جدا حينما سمعت خبر إسقاط الجيش السورى للطائرة الإسرائيلة ــ رغم رأيى السلبى فى نظام بشار الأسد ــ وكانت المفاجأة الكبرى لى أن هناك سوريين وعربا لم يسعدهم إسقاط الطائرة الإسرائيلية.
لم أصدق ذلك على الفور، حتى وجدت حسابات كثيرة حزينة لسقوط الطائرة الصهيونية. ثم قرأت خبرا لم أتأكد تماما من دقته، نقلا عن صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، يقول بأن صالح الحموى، أحد مؤسسى جبهة النصرة السورية أى فرع القاعدة، دعا إسرائيل إلى الاستمرار فى قصف مواقع الجيش السورى، مضيفا: «سكوتكم عن تدخل إيران فى سوريا سينقلب عليكم لا محالة، فعجلوا باجتثاثه».
الحموى انفصل عن جبهة النصرة عام ٢٠١٢ وانضم إلى جماعة «أحرار الشام» الأكثر تطرفا.
مرة أخرى لا أعرف إذا كان هذا الحساب حقيقيا، أم لا، لكن الذى أعرفه جيدا أن المعنى الوارد فيه، يردده كثير من العرب كل يوم للأسف الشديد. نسمعه من أفراد وتنظيمات، بل ودول عربية، تتودد إلى إسرائيل وتتمنى أن تنوب عنها، هى والولايات المتحدة فى إسقاط الأسد، وضرب إيران.
مرة أخرى أتفهم وجهة نظر كل المعارضين لبشار الأسد ولإيران، وأتمنى أن تعود سوريا قلب العروبة النابض وليست قلب فارس الملتحفة بالراية الشيعية زورا، لكن شرط أن يتم ذلك على أساس شعبى وديمقراطى ومدنى. وليس عبر داعش والنصرة وأمثالهما.
رأيى الواضح والمسجل فى هذا المكان أن هذه التنظيمات أداة فى يد إسرائيل والولايات المتحدة، لتدمير المنطقة العربية بأكملها أو تفكيكها، وإقامة دويلات طائفية، تبرر إعلان إسرائيل دولة يهودية.
لسوء الحظ وصلنا إلى مرحلة لا يرى فيها بعضنا البديهيات وأن إسرائيل هى الذئب الذى سيلتهم الجميع، وبالتالى فعلى «الغنم» ألا تثق به تحت أى ظرف. ويفترض بعد سبع سنوات من بدء المأساة أن يكون كل الابرياء والحالمين والسذج قد أدركوا الحقيقة، وهى أن سوريا تدمرت، وصرنا نرى الجيش الذى كان يقول عن نفسه إنه «سورى وحر»، وقد تحول إلى مجرد فيلق فى الجيش التركى الذى يغزو عفرين، لمقاتلة ابناء بلدهم أكراد سوريا!
مرة أخرى رأيى فى الأزمة السورية مسجل هنا منذ اندلاعها، وكتبت كثيرا منتقدا بشدة نظام بشار، وقلت بوضوح إن مجمل سياساته المستبدة وغياب الحريات ورهاناته الطائفية، هى التى مهدت وقادت إلى هذا الوضع المأساوى، الذى يدفع ثمنه الشعب السورى الشقيق.
كنت أتمنى أن تتمكن المعارضة المدنية من الانتصار سلما فى بدايات الثورة، لكن لسوء الحظ، تدخلت قوى ودول وأجهزة لعسكرة هذه الثورة السلمية، وسرقتها حتى تفكك سوريا بالكامل وهو امر ساهم فيه نظام الاسد ايضا حتى يشيطن المعارضة المدنية.
المعارضة المدنية اختفت أو تلاشت، أو تبعثرت وما بقى لدينا هو داعش والنصرة وكل التنظيمات المتطرفة. وإذا كان الخيار بينها وبين الجيش السورى حتى تحت قيادة بشار الأسد، فالعقل السليم لا يمكن أن يراهن على هذه القوى الظلامية، وعليه أن يسعى دائما حتى تعود سوريا وطنا لكل أبنائها وطوائفها وقواها الحية. أما المراهنون على الولايات المتحدة وإسرائيل فيفترض أن يفيقوا من كل الأوهام، ولا يراهنون إلا على شعوبهم وليس على طوائفهم أو اجهزة مخابرات دولية واقليمية حولت بلدهم إلى حقل تجارب للصراعات واختبار الاسلحة الجديدة!!
نقلا عن الشروق القاهريه