بقلم: عماد الدين حسين
إلى أين تتجه العلاقات المصرية الأمريكية، خصوصا بعد الاتصال المهم الذى تم بين وزيرى خارجية البلدين سامح شكرى وأنتونى بلينكن مساء الثلاثاء الماضى؟.
هل العلاقات تتجه لأزمة غير مسبوقة، كما يحلم المتربصون فى الجانبين، أم أنها «سمن على عسل»، كما يعتقد الحالمون، أم أنها فى مرحلة وسط ؟.
أهمية اتصال شكرى ـ بلينكن الذى استمر ٢٥ دقيقة تقريبا، أنه الاتصال الرسمى الأول بين إدارة جو بايدن ومصر، بعد حوالى ٣٤ يوما من تولى هذه الإدارة الحكم، خلفا لإدارة دونالد ترامب.
حتى الثلاثاء الماضى لم يتصل بايدن بأى رئيس أو ملك أو رئيس وزراء فى المنطقة باستثناء بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، ومن الواضح أن الكيمياء لا تزال مفقودة بين الاثنين، وكذلك مع غالبية حكام منطقة الشرق الأوسط الذين كانت لهم علاقات دافئة جدا مع ترامب.
أول ما لفت نظر المراقبين لاتصال شكرى ـ بلينكن، أن البيانين الصادرين عن وزارتى الخارجية فى القاهرة وواشنطن، مختلفين إلى حد ما. البيان المصرى ركز على أن الاتصال عكس تلاقى رؤى البلدين فى العديد من الملفات والقضايا الإقليمية والدولية، وأنه تم التأكيد على الشراكة الاستراتيجية القائمة على أسس الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، وكذا جهود البلدين فى مجال حقوق الإنسان بما يحقق مصلحتهما.
بيان الخارجية الأمريكية على لسان المتحدث باسمها نيد برانس، أبرز أيضا أهمية الشراكة الاستراتيجية القوية بين البلدين، وقضايا محاربة الإرهاب والقضايا الإقليمية، لكن البيان قال إن بلينكن أثار المخاوف المتعلقة بقضية حقوق الإنسان فى مصر، وأنها ستكون محورية فى علاقات البلدين، وكذلك بشأن شراء مصر المحتمل للطائرة الروسية المقاتلة، سوخوى ٣٥.
بعد هذا الاتصال المهم استمعت للعديد من وجهات النظر ومن الواضح أن علاقات البلدين فى المرحلة المقبلة لن تكون على هوى المتربصين، لكنها أيضا لن تكون على هوى الحالمين.
الرأى الواقعى يقول إنها ليست المرة الأولى التى تتعامل فيها مصر مع تعاقب الإدارة الأمريكية. واختلاف مقاربة الجمهوريين عن الديمقراطيين.
صحيح أن تأثير الرئيس الأمريكى ليس كبيرا فى السياسة الخارجية شبه الثابتة، لكن وبالنظر إلى الانقلاب الذى أحدثه ترامب، فمن الطبيعى أن يسعى بايدن لتغيير العديد من سياسات ترامب، فى المنطقة مثل صفقة القرن وإيران والخليج.
الإدارات الديمقراطية تركز عموما على أهمية حقوق الإنسان. وظنى أن القاهرة تنظر بإيجابية لحديث شكرى ـ بلينكن، وترى ضرورة رعاية العلاقة مع أمريكا، لأن الأخيرة قوة عظمى ودورها مؤثر جدا فى مؤسسات التمويل الدولية، وبالتالى يمكنها أن تؤثر إيجابا أو سلبا على جهودنا التنموية.
هل هناك من يحاول توتير هذه العلاقة؟!
الإجابة هى نعم وفى كلا الجانبين.
الرؤية المصرية الرسمية هى ضرورة أن تقوم العلاقة على أسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والموازنة بين مصالح مصر وفى نفس الوقت الحفاظ على العلاقات مع أمريكا.
معلوماتى أن مكالمة شكرى ــ بلينكن كانت طيبة وودية خصوصا لوجود علاقة مهنية سابقة بينهما. واستمعت إلى تقدير يقول إن الاتصال لم يتضمن أى مشروطية لإقامة العلاقات، بل أسس ودعائم قوية. مصر تتطلع لاستمرار دعم أمريكا فى قضية سد النهضة كما فعلت إدارة ترامب، وهى فى نفس الوقت تؤكد أن احترام حقوق الإنسان للمصريين اهتمام مصرى قبل أن يكون اهتماما أمريكيا أو دوليا. وجهة نظر الحكومة المصرية ترى أن العلاقات راسخة، والدليل الأحدث هو صفقة بيع إدارة بايدن ١٦٨ صاروخا تكتيكيا لمصر قبل أيام بحوالى ٢٠٠ مليون دولار، فى صفقة شملت بنودها وصف مصر بالشريك الاستراتيجى، ومضمون الاتصال أكد على دور مصر الحيوى فى المنطقة خصوصا مكافحة الإرهاب.
وأغلب الظن أن ملف حقوق الإنسان سيكون ملفا مهما فى علاقات البلدين وليس الملف الوحيد، والأمر لا يتعلق فقط بمصر بل بنظرة أمريكية شاملة للعالم كله خلافا لرؤية إدارة ترامب السابقة، وعلينا تأمل المنطق الأمريكى السافر فى علاقته بحلفاء أقوياء مثل السعودية وتركيا.
ظنى الشخصى أن على مصر أن تغير من طريقة التعامل مع ملف حقوق الإنسان، ليس إرضاء لأمريكا، ولكن لأن شعبها يستحق ذلك، وحتى لا تجد نفسها دائما فى قفص الاتهام.
من المهم سد الذرائع والثغرات التى تتيح لخصومك النيل منك.