بقلم: عماد الدين حسين
صباح الأحد الماضى، وفى بداية مناقشة مجلس الشيوخ للائحة الداخلية، وقف العضو اللواء فاروق المقرحى، وطلب من رئيس المجلس المستشار عبدالوهاب عبدالرازق، بضرورة وجود نسخة ورقية من اللائحة.
الأمين العام للمجلس المستشار محمود إسماعيل عتمان، قال للعضو إن هناك نسخة إلكترونية تم إرسالها لكل أعضاء مجلس الشيوخ عبر تطبيق «الواتساب»، لكن اللواء المقرحى رد قائلا: «من المفترض أن نتسلم اللائحة ورقيا، يعنى إيه تتبعت واتساب؟!!».
رئيس المجلس رد عليه قائلا: «من حقك أن تبدى اعتراضك كما تشاء من دون انفعال، وسيتم الاستجابة لجميع الطلبات المقدمة من الأعضاء». ورد المقرحى: «المفروض أن أوراق المجلس تكون ورقية».
انتهى النقاش وتسلم النائب نسخة ورقية، وبدأ المجلس فى مناقشة اللائحة حيث تم إقرارها وإحالتها لرئيس الجمهورية، وكان لافتا أن غالبية الأعضاء يطالعون اللائحة من هواتفهم المحمولة، أو التاب الموجود عليه ليس فقط اللائحة بل الدستور ولائحة مجلس النواب».
لا أكتب اليوم عن اللائحة أو مجلس الشيوخ، بل عن مقاومة بعضنا للتحول الإلكترونى، الذى يتسارع فى العالم كله.
بصفتى عضوا فى مجلس الشيوخ ومنذ أداء اليمين فى ١٨ أكتوبر الماضى، هناك جروب واتساب نتلقى عليه كل المعلومات والبيانات والتفاصيل المتعلقة بعمل المجلس وشئون الأعضاء، بل وحالات الوفاة لبعض الأقارب منهم، حتى يتمكن الأعضاء من أداء واجب العزاء.
لا ألوم اللواء المقرحى على مطالبته بوجود نسخة ورقية، لأنه يعبر عن شريحة موجودة بالفعل ترفض حتى الآن القبول بالتعامل الإلكترونى فى المعاملات.
شخصيا ما زلت حتى هذه اللحظة «كائنا ورقيا»، وأكتب مقالى اليومى فى «الشروق» على الورق، وأرسله لقسم «الجمع»، الذى يعيده لى على السيستم الإلكترونى الداخلى وأراجعه مرة أخيرة، وأرسله لقسم التصحيح. وتقريبا أنا واحد من القلائل الذين يفعلون ذلك، ولأننى بدأت أخجل من نفسى، فأننى أدرب نفسى على الكتابة المباشرة على الهاتف، والنتائج مبشرة.
أعتقد أنه لم يعد منطقيا الحديث عن ضرورة توفير نسخ ورقية من المعاملات. جلست أتخيل تطبيق ذلك فوجدت أنه سيكلفنا أولا أطنانا ضخمة من الأوراق، لكن وبفرض أننا نملك الأموال الطائلة لإنفاقها على شراء الأوراق، فإننا سنهدر وقتا ضخما للطبع والتوزيع والتسليم.
إرسال النسخة الإلكترونية من لائحة مجلس الشيوخ إلى ٣٠٠ عضو، أحتاج فقط لأقل من دقيقة. تخيلوا لو تم طبعها ورقيا، فكم من الوقت والجهد نحتاجه لإرسالها إلى كل عضو فى مختلف أنحاء الجمهورية، خصوصا أن المجلس لم يكن فى حالة انعقاد، أثناء إرسال اللائحة، لكى يقرأها ويراجعها النواب قبل مناقشتها.
الأمر فى ظنى متوقف على عوامل كثيرة منها أن معظم كبار السن على مستوى العالم يميلون لمقاومة فكرة التحول الإلكترونى، وحتى بعض صغار السن لديهم ميل تقليدى لمقاومة أى فكرة جديدة.
صار محتما علينا جميعا تهيئة أنفسنا لهذا التحول، وكل يوم نكتشف أن الأمر لم يعد خيارا، بل سيكون إجباريا.
قبل أيام ذهبت لدفع بعض الرسوم، ففوجئت أن الموظف يرفض استلام المبلغ نقدا، وطلب منى السداد الإلكترونى، وإلا سأكون مضطرا لدفع نسبة أكبر.
وربما خلال شهور قليلة لن يكون أى شخص قادرا على التعامل النقدى المباشر، خصوصا فى ظل ما يبذله البنك المركزى والحكومة من تطبيق الشمول المالى والمدفوعات الإلكترونية.
الواتساب وسائر التطبيقات التكنولوجية وفّر وقتا وجهدا ومالا ضخما للجميع، وجعل التواصل سهلا بصورة لم يكن يتخيلها عقل بشرى من قبل.
عبر هذه التطبيقات الإلكترونية صار تحويل الأموال يتم خلال ثوان قليلة ليس من مكان لمكان داخل مصر، بل من قارة إلى أخرى. وبسبب كورونا اكتشفنا، أنه يمكننا أن يقوم المريض منا بالكشف عبر الأونلاين فى العديد من الحالات، بدلا من الاضطرار للذهاب إلى العيادات والمستشفيات واحتمال التقاط عدوى الفيروس.
التطبيقات التكنولوجية هى التى جعلتنا وغيرنا نتمكن من إكمال الموسم الدراسى، وهى التى جعلت عقد المؤتمرات ممكنا عن بعد، بدلا من اللقاء المباشر. هذه التقنية ستوفر الكثير من الجهد والوقت والمال، بل إنها وفرت الكثير من المال، كان العالم ينفقه على عقد المؤتمرات، من تذاكر طيران وفنادق وبدلات سفر.
خلاصة القول أن علينا نحن كبار السن أن نهيئ أنفسنا للدخول الكامل إلى هذا العصر الرقمى.. النسخ الورقية صارت من الماضى فى مجالات كثيرة، والأخطر أنها صارت تهدد بقوة الصحافة الورقية.