بقلم: عماد الدين حسين
احتلت دائرة الدقى والعجوزة والجيزة فى الانتخابات الفردى لمجلس النواب والتى جرت يومى السبت والأحد الماضيين اهتمام الكثيرين. خصوصا وسائل الإعلام.
الاهتمام كان منطقيا لأن عددا من المرشحين فيها معروفون لغالبية الناس وفى مقدمتهم رجل الأعمال محمد أبو العينين والإعلامى عبدالرحيم على وأحمد مرتضى نجل المستشار مرتضى منصور.
فى هذه الدائرة التى كانت فى الماضى القريب دائرتين كان هناك عشرات المرشحين، وللأسف فإن غالبية من تناولوا هذه الدائرة بالشرح والتحليل انشغلوا فقط بالمرشحين الثلاثة تقريبا، ونسوا تماما بقية المرشحين، والأخطر أنهم جزموا وأكدوا أن هؤلاء الثلاثة هم الفائزون لا محالة، والباقون لا محل لهم من الفوز أو حتى المنافسة الحقيقية.
نفس هذا الخطأ القاتل تكرر فى العديد من الدوائر التى ترشحت فيها شخصيات معروفة ومشهورة للرأى العام، وتظهر فى الإعلام كثيرا، أو تتولى مناصب مهمة، لكن هذا الخطأ كان أوضح تماما فى الدقى والعجوزة والجيزة.
شخصيا كدت أقع فى هذا الفخ، لولا أننى سألت بعض معارفى أكثر من مرة عن توقعاتهم، وتقديراتهم لهذه الدائرة، بما فيهم بعض المرشحين أنفسهم.
كان هناك شبه إجماع على أن محمد أبوالعينين سيفوز، وكان الخلاف يدور بشأن هل يحسم المقعد من الجولة الأولى أم يدخل جولة الإعادة. سألت مرشحا آخر عن تقديراته، فقال لى إنه سيفوز مع أبوالعينين.
لكن المحايدين كانت تقديراتهم طوال الوقت أن المنافسة الحقيقية بعد أبوالعينين سوف تنحصر بين منتصر رياض أولا ثم زكى عباس ثانيا.
ثم ظهرت نتيجة الحصر العددى وليس النهائى لتؤكد تفوق أبو العينين بـ ١٢٥ ألف صوت، يليه زكى عباس بـ ٨٣ ألف صوت، ثم منتصر رياض بـ ٢٩ ألف صوت، فى حين حصل عبدالرحيم على على ١٩٧٥٦ صوتا، وأحمد مرتضى منصور ١٦٦١٣ صوتا، وبلغ عدد المصوتين حوالى ٦٥٠ ألف صوت، بخلاف الذين صوتوا من الخارج.
الخلاصة لم تصدق التوقعات إلا بشأن أبو العينين، الذى أنفق الكثير، وسبق له الترشح والفوز قبل شهور فى مجلس النواب فى المقعد الذى خلا بوفاة النائب السابق.
ما أريد أن أركز عليه اليوم، هو أننا فى مرات كثيرة نطلق بعض التوقعات أو التقديرات أو الشائعات أو التمنيات ونصدقها، ثم ننتظر أن تحدث، وبعضنا يستغرب أنها لم تحدث! والأسوأ أن البعض الآخر يشكك فى هذه النتيجة، التى كانت واضحة جدا لكل المطلعين على أحوال هذه الدائرة.
فى الأحوال الطبيعية كان يفترض على وسائل الإعلام أن تبحث وتنقب وتسأل وتستقصى حول فرص كل المرشحين الحقيقية، بدلا من الركون إلى الانطباعات والتمنيات، التى لم يسلم منها أحد للأسف.
ما حدث يشبه مشاعر مشجعى الأهلى والزمالك. هم يعتقدون أن فريقهم المفضل سيفوز على أى فريق يقابله، فى أى مسابقة، وعندما يحدث العكس لأن بعض الفرق المنافسة الأخرى أكثر استعدادا يُصدم هؤلاء المشجعون، بل ويتهم بعضهم الحكام بأنهم السبب فى هذه الخسارة، ولا يريدون تصديق أن الفريق المنافس كان أفضل وأكثر استعدادا.
نفتقد فى مصر إلى معظم الوسائل العلمية لقياس الرأى العام بخصوص العديد من القضايا خصوصا المنافسات الانتخابية.
ووصلت دقة هذه الاستطلاعات فى الخارج حد التوقيع الدقيق بأى نتيجة، سواء قبل إجراء الانتخابات أو العينة التى يتم سؤالها عقب خروجها من لجان التصويت، وهى الأكثر دقة بطبيعة الحال.
لكن وحتى نكون موضوعيين، ولا نجلد أنفسنا كثيرا، فإن الخطأ الذى نقع فيه هنا فى مصر، فقد وقعت فيه غالبية وسائل إعلام الدولة الأقوى فى العالم، حينما توقعت ومعها مراكز بحوث واستطلاع الرأى العام، أن تفوز هيلارى كلينتون بالرئاسة عام ٢٠١٦، ثم تفاجأ الجميع بدونالد ترامب رئيسا لأمريكا.
والسبب الرئيسى أن هذه المراكز لم تنشغل كثيرا بالجمهور الحقيقى لدونالد ترامب البعيد عن اهتماماتها.
طبعا هناك فارق كبير بين إعلامنا وإعلامهم، وانتخاباتنا وانتخاباتهم، لكن الفكرة واحدة بين المثالين أو النموذجين، وهو الاستسلام للتوقعات المنمطة أو التمنيات والأهواء الشخصية.
نحتاج أن نتدرب كثيرا فى وسائل إعلامنا ومراكز بحوثنا على الدقة والمصداقية وإجراء استطلاعات رأى عام حقيقية وليست «مضروبة» ومن وحى الخيال أو التمنيات.