٢٨٪ من المصريين مدخنين، هذه المعلومة الصادمة أعلنتها وزيرة التضامن الاجتماعى نيفين القباج يوم ١٦ فبراير الماضى، خلال العرض الذى قدمته أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء افتتاح المجمع الطبى بالإسماعيلية.
وفى التفاصيل أعلنت الوزيرة نتائج المسح القومى الشامل للتدخين وتعاطى المخدرات. وقالت إن عينة الدراسة، التى شملت كل محافظات الجمهورية، تكونت من ٣٠ ألف أسرة فى الشريحة العمرية من ١٢ ــ ٦٠ عاما، وبلغت نسبة المدخنين ٢٧٫٩٪، فى حين بلغت نسبة تعاطى المخدرات ٥٫٩٪ والإدمان ٢٪.
من البيانات المهمة التى أعلنتها الوزيرة، أن محافظة المنيا تحتل المركز الأول فى التدخين بنسبة ٥١٪، يعنى أكثر من نصف سكانها، تليها سوهاج ٤٧٪، والبحر الأحمر ٣٩٪ والإسماعيلية ٣٣٪. فى حين احتلت محافظة البحر الأحمر القمة فى تعاطى الكحوليات بنسبة ٥٫٤٪ ثم الشرقية، وربما سبب ذلك يرجع لزيادة نسبة السائحين الأجانب. وفى تعاطى المواد المخدرة جاءت سوهاج أولا بنسبة ١٢٫٢٪، وبعدها القليوبية والشرقية والمنيا والبحر الأحمر وأسوان.
ظنى أن عدد المدخنين والمدمنين ربما يكون أكبر من المُعلن فى الدراسة، لأن بعض المصريين سينكر أنه مدخن، والأكثر احتمالا إنكاره أنه مدمن للمخدرات أو الكحول.
فى كل الأحوال هى نتائج مفزعة، ويجب أن تقرع لنا جميعا كل أجراس الإنذار الممكنة. لأنها ببساطة سوف تلتهم وتدمر أى جهود تحققها الحكومة والدولة والمجتمع فى عملية البناء والتنمية.
تخيلوا أن ينفق المجتمع تريليونات الجنيهات، ويبنى الطرق والجسور والمدن الجديدة، ويشيد محطات كهرباء عملاقة، وقطارات كهربائية تربط ليس فقط كل المحافظات، بل مصر بقارة إفريقيا، ويتم إعادة تطوير الريف المصرى، وإقامة العديد من المشروعات القومية فى الاستزراع السمكى واستصلاح الأراضى وتحلية المياه وتبطين الترع. ثم بعد ذلك كله نجد أن الشباب المستهدف، لكى ينعم بإنجازات التنمية ويواصل البناء، قد تم استنزافه بإدمان التدخين والمخدرات والكحوليات!.
أعلم أن وزارة التضامن وبعض مؤسسات الدولة تبذل جهودا مقدرة، ليس الآن فقط، ولكن منذ عهد الدكتورة غادة والى، قبل أن تتولى منصبا دوليا مرموقا فى مكافحة المخدرات بالأمم المتحدة.
الوزارة تنفذ كشوفا دورية على الموظفين فى الوزارات المختلفة، وكذلك على السائقين وفى المدارس ومراكز الشباب والجامعات، كما تنفذ حملات إعلامية وإعلانية متنوعة للتوعية بخطورة الإدمان.
أعلم كل هذه الجهود، ولكن الحقيقة المُرة، أن الجهود المقدرة، لم تحقق نتائج حاسمة، تبشرنا بأننا على الطريق الصحيح فى علاج الظاهرة والقضاء عليها.
حينما يكون ٢٨٪ من أفراد المجتمع مدخنين، فالمعنى الواضح أن الأسر والحكومة والمجتمع بأكمله، قد فشلوا فشلا ذريعا فى مواجهة هذه الكارثة القومية، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
أُحمل الأسر المسئولية الأولى فى عدم تربية أولادهم بصورة صحيحة، وبعدها المدرسة؛ حيث انشغل غالبية المعلمين بدروس السناتر، أو البحث عن تحسين ظروف حياتهم الصعبة.
والجانب الجوهرى هو تراجع منظومة القيم بصورة مريعة خصوصا قيم العيب واحترام الكبير والخجل وتحمل المسئولية، بحيث وصل عدد المدخنين ليقترب من ثلث المجتمع بأكمله.
أتمنى أن يتم بحث الموضوع بصورة عاجلة، للوصول إلى حلول عملية، تجعلنا نوقف هذا «الانتحار القومى»!.
الصورة ليست قاتمة تماما، خصوصا أن نيفين القباج، قالت إن الشباب متعطشون للنماذج الإيجابية، وبعد حملة محمد صلاح «انت أقوى من المخدرات»، تقدم أكثر من ٤٠٠ ألف مدمن ومتعاطٍ للعلاج، خلال ٣ سنوات، كما أن نسب التعاطى والإدمان بين الموظفين، تراجعت من ٨٪ إلى ٢٪، بسبب الكشف الدورى، وانخفضت النسبة بين سائقى الحافلات من ١٢٪ إلى ١٫٨٪ إضافة إلى التوسع فى إنشاء عيادات الإدمان.
أتمنى أن تتوسع وزارة التضامن فى إنشاء مراكز علاج الإدمان، التى وصلت إلى ٢٦ مركزا فى ١٧ محافظة، بعد أن كانت ١٤ مركزا فى ٧ محافظات حتى عام ٢٠١٥. إضافة إلى حملات التوعية والعلاج.
لا نريد تطبيق تجربة الفلبين التى تقتل سلطاتها سرا تجار المخدرات فى الشوارع من دون محاكمة، لكن على الأقل أن تكون حكومتنا حازمة بصورة رادعة مع تجار وموزعى ومتعاطى المخدرات، وكذلك إنهاء خدمة أى موظف يرفض الإقلاع عن الإدمان، وأن يتم التضييق على المدخنين بكل الوسائل الممكنة، من أول زيادة أسعار السجائر، نهاية بتجريم التدخين فى المنشآت العامة والمغلقة والمواصلات، حتى يشعر المدخن أنه محاصر ومنبوذ، وأن الأكرم والأشرف له أن يتوقف فورا.