بقلم: عماد الدين حسين
هل العرب ومنطقة الشرق الأوسط فى مرتبة متقدمة على جدول اهتمام إدارة الرئيس الأمريكى الجديد جو بايدن، أم أنها ليست كذلك؟.
فى تقرير مهم لمجلة بوليتكو الأمريكية يوم الثلاثاء قبل الماضى نفهم أن المنطقة، ليست حتى موجودة فى المرتبة الثالثة، لكن الواقع الذى لمسناه خلال الأيام الماضية، يشير إلى أن اهتمام أمريكا بالمنطقة ما يزال قويا، والدليل العملى هو الموقف الأخير للإدارة الأمريكية من السعودية على خلفية تقرير الـ cia عن مقتل الكاتب الصحفى السعودى جمال خاشقجى، إضافة إلى تأكيدها المستمر، بأن ملف حقوق الإنسان سيكون محوريا فى علاقاتها مع العالم عموما، والمنطقة خصوصا.
نعود إلى تقرير المجلة يوليتكو، وللموضوعية فإن ما ذكرته ليس سبقا صحفيا، أو اكتشافا جديدا، بل هو يكاد يكون تحصيل حاصل.
بايدن بدأ ينفذ بالفعل ما أعلنه خلال حملته الانتخابية. على سبيل المثال نفذ وعده، بوقف تأييد السعودية فى حربها ضد الحوثيين فى اليمن، وألغى قرار ترامب بتصنيف «الحوثيين» كجماعة إرهابية. ونفذ وعده أيضا بتجميد مبيعات الأسلحة إلى السعودية، وبعض دول الخليج.
والأهم أنه بدأ يلمح إلى محاولة إحياء الاتفاق النووى «٥+١» مع إيران، وهو الاتفاق الذى ألغاه ترامب إرضاء لإسرائيل.
وقبل أيام سحب بايدن قرارا كانت الإدارة السابقة قد أرسلته للأمم المتحدة يطالب بتجديد العقوبات الدولية الشاملة ضد إيران.
وفى تقدير البعض فإن يأس بايدن من المنطقة وصل إلى حد عدم الاتصال بأى رئيس أو مسئول بارز فى المنطقة، باستثناء رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وحتى هذا الحليف الاستراتيجى اتصل به فقط بعد شهر من توليه منصبه، وبعد أن اتصل مع العديد من زعماء وقادة أوروبا وآسيا، وقبل أيام اتصل بالعاهل السعودى، بعد تردد طويل، وبعد الاتصال رأينا علاقات البلدين تنزلق إلى منحدر، لم تشهده منذ عقود.
بايدن محبط هو وإدارته من الشرق الأوسط، ومشاكله وهمومه. وللموضوعية أيضا فإن هذا التوجه، لا يخص بايدن بمفرده، أو حتى كل إدارته، لكنه توجه بدأ بالأساس قبل انتهاء فترة ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما.
ونتذكر ما سمى وقتها بـ«عقيدة أوباما» فى حواره الشهير مع الصحفى جيفرى جولدبرج فى الفصلية المعروفة «ذا اتلانتيك»، والتى ألمح فيها بوضوح إلى ضرورة الانسحاب التدريجى من منطقة الشرق الأوسط ومشاكلها.
وللموضوعية أيضا فإن مواقف بايدن، حتى، قبل أن يصبح نائبا لباراك أوباما، يمكن أن تشكل نقطة إضاءة وفهم لمواقفه الراهنة.
على سبيل المثال خلال وجوده فى الكونجرس نائبا، فقد صوت ضد محاولة غزو العراق فى شتاء ١٩٩١، بعد إنجاز مهمة تحرير الكويت، لكنه صوت مع غزو العراق فى مارس ٢٠٠٣، حينما كان رئيسا للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ. والمعروف أنه أعرب عن أسفه لاحقا لتأييده لهذا الغزو. وفى عام ٢٠٠٧ اقترح بايدن تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات طائفية شيعية وسنية وكردية.
وخلال وجوده نائبا لأوباما انتقد بايدن العديد من حلفاء واشنطن فى المنطقة، واعتبر سياساتهم، سببا أساسيا فى صعود تنظيم داعش.
نسمع ونقرأ الآن، لبعض كبار مساعدى بايدن يقولون إن الإدارة الجديدة مصممة على عدم الغرق فى مشاكل الشرق الأوسط، وأنهم سوف يوجهون معظم جهدهم لمسائل عالمية يرونها أكثر إلحاحا، وعلى حد بعض التسريبات فى الأيام الأخيرة فإن الأولوية الأولى لإدارة ترامب، هى آسيا والمحيط الهادى، وفى القلب منها الصين، ثم أوروبا، ومعها حلف الأطلنطى، وثالثا نصف الكرة الغربى أى كندا والمكسيك وجوارهما.
وبعد ذلك يمكن أن تأتى أى قضية أخرى، وعلينا أن نتذكر أن إدارة بايدن عادت بالفعل لاتفاقية باريس للمناخ، التى ألغاها ترامب. السؤال الجوهرى الذى يهمنا إذا صح توقع مجلة بوليتكو بان إدارة بايدن تنوى حتى عدم الانهماك فى قضايا المنطقة بقوة، فمن يا ترى الذى يفترض أن يتقدم كى يملأ هذا الفراغ، وما هى النتائج المترتبة على ذلك، بالنسبة لنا نحن العرب وخصوصا لمصر؟!