بقلم: عماد الدين حسين
من أفضل القرارات التى اتخذها حزب «مستقبل وطن» هو إعلانه مساء الجمعة الماضى، أنه يعتزم التقدم بمشروع قانون لتعديل قانون الشهر العقارى، استجابة للمطالب الشعبية، التى انتقدت القانون والرسوم المستحقة لتسجيل العقارات فى الشهر العقارى.
تحرك الحزب هو تحرك سياسى مهم جدا لم نعهد مثله منذ سنوات، وأغلب الظن أنه سينزع فتيل أزمة مجتمعية غير مسبوقة.
فى مثل هذه القضايا نستحضر المثل القائل: «الشيطان يكمن فى التفاصيل»، وبالتالى فليس مهما أنه تكون النوايا الطيبة، بل المهم هو التطبيق العملى للقانون على أرض الواقع، وهل يؤدى لتسهيل حياة الناس وفى الوقت نفسه المحافظة على حقوق الدولة، أم العكس؟!.
وبالتالى فإن كل مـَن وقف وراء تعديل المادة 35 مكرر من قانون الشهر العقارى رقم 114 لسنة 1946، والصادرة بالقانون رقم 186 لسنة 2020 بتاريخ 5 سبتمبر الماضى، ويفترض أن يبدأ العمل بها فى الاسبوع الأول من مارس المقبل، قد تسبب فى أزمة مستحكمة، هددت السلم الاجتماعى والأمن القومى بصورة خطيرة.
الحكومة مسئولة مسئولية كاملة، حينما عدلت هذه المادة، من دون أن تدرك العواقب التى يمكن أن تترتب عليها. ومجلس النواب الذى وافق على تمرير المادة، ارتكب خطأً أكبر لأنه حتى لم يناقش الحكومة فى التداعيات التى يمكن أن تترتب على تطبيق المادة.
أعلم تماما المنطق الحكومى الذى يقول إن كل الضرائب الموجودة فى تعديل القانون الجديد هى ضرائب قديمة. من أول الـ2.5 ٪ التصرفات العقارية، التى يفترض أن يدفعها البائع وليس المشترى، ورسوم هندسية تتراوح بين 1000 و2000 جنيه، وضريبة دمغة تصل لـ2000 ألف جنيه، وضريبة المساحة التى تتراوح بين 190 و570 جنيها، ورسوم أمانة قضائية توازى 45 جنيها لكل ألف جنيه من قيمة العقد، و1% من قيمة العقد لصالح نقابة المحامين، والبندان الأخيران، أى الأمانة القضائية ونقابة المحامين، يتم دفعها فقط، فى حال سلك البائع والمشترى الطريق القضائى لتسجيل العقد، وليس الطريق الرضائى أى بالتراضى فى الشهر العقارى.
أعلم أيضا المنطق الحكومى الذى حاول تطبيق هذه المادة من أجل عدة أهداف جوهرية ومنها حصر ومعرفة حقيقة من يملك الثروة العقارية فى مصر، وهل يسدد عنها ضريبة التصرفات العقارية والتى تدفع لمرة واحدة فقط، والضريبة العقارية التى تدفع سنويا، إضافة إلى متابعة ومراقبة الثروة العقارية لتصبح فى المسار القانونى وليست عشوائية، إضافة بالطبع لتعظيم حقوق وموارد الدولة أى حصولها على حقوقها الطبيعية، وتحصيل الضرائب، التى يتم الصرف منها على التعليم والصحة والخدمات.
أعلم كل ذلك، لكن السؤال كيف يتحول هدف نبيل يتمثل فى تحصيل حقوق الدولة إلى إثارة هذا السخط الشعبى غير المسبوق، بل وإلى حملات سخرية غير مسبوقة، ولم تحدث حتى أثناء قانون التصالح فى مخالفات البناء؟!
لا أناقش هنا هل القانون صحيح أم خاطئ، ولكن أناقش النتيجة النهائية التى أدت إليها المادة رقم 35.
استمعت إلى كلام كثيرين من أصحاب عقارات ومشترين يبحثون عن شقق وسماسرة، وجميعهم يؤكد أن النتيجة الأساسية لتطبيق قانون تسجيل الشقق، سوف يضرب صناعة العقارات فى مقتل، والأخطر أنه سيؤدى إلى مشاكل اجتماعية لا حصر لها، خصوصا أن 90% من العقارات فى مصر غير مسجلة.
المطلوب أن نبحث عن صيغة خلاقة تحافظ على حقوق الدولة، وفى الوقت نفسه لا تقلب حياة الناس رأسا على عقب، وتجعلهم ينظرون للحكومة، وكأن هدفها الوحيد هو استنزافهم عمَّال على بطَّال بالرسوم والضرائب، فى وقت يشكو فيه كل العالم من آثار كورونا الكارثية.
وختامًا فقد آن الأوان أن يتم إعادة النظر فى الطريقة التى يتم بها تقديم القوانين من الحكومة وتمريرها من البرلمان.
ثبت يقينًا أن هناك شيئا خاطئا، ولو كان هناك طرف يريد أن يسىء للحكومة والدولة، فلن يفعل أكثر مما حدث فى قانون تسجيل العقارات.