التدخل السريع لحزب «مستقبل وطن» ومعه تنسيقية شباب الأحزاب ومجلس النواب والحكومة، ثم رئيس الجمهورية فى نزع فتيل أزمة قانون تسجيل العقارات فى الشهر العقارى استجابة للإرادة الشعبية، تطور شديد الأهمية فى المشهد السياسى المصرى، لم نشهده منذ فترة طويلة، وإذا استمر هذا المنهج، فقد يؤشر لبداية مرحلة مختلفة، أعتقد أنها ستكون كفيلة بنزع فتيل الكثير من القنابل الموقوتة، فى المجتمع المصرى.
فى البرلمان الماضى، لم يكن هناك حزب أغلبية يدعم الحكومة بوضوح، بل كان هناك ((ائتلاف دعم مصر)) المكون من العديد من الأحزاب والكتل السياسية والمستقلين، والائتلاف لم يقصر فى دعم الحكومة، بل مرر لها كل ما طلبته من قوانين، وفى أوقات قياسية، لكن هذا الائتلاف لم يكن فعالا بصورة كافية فى المشهد السياسى، أو منع قوانين أثارت العديد من الأزمات مثل التصالح فى مخالفات البناء، أو الشهر العقارى، أو فرض العديد من أنواع الرسوم التى اكتوى بها غالبية المصريين.
((مستقبل وطن)) نظريا ليس حزب الحكومة، لكنه عمليا ذراعها السياسية والبرلمانية، والجديد أنه تحرك فى الأزمة الأخيرة بعد أن شعر أن الأمور تتجه للتفاقم.
تحرك أجهزة ومؤسسات الدولة هذا المرة جاء سريعا، وقبل أن يدخل القانون حيز التنفيذ بأكثر من أسبوع، وبغض النظر عن شكل القانون الذى سيصدر فى 30 يونيه 2023، فأغلب الظن أن المشكلة قد انتهت بالفعل بنسبة 99%.
السؤال هل هذا التحرك السياسى، قابل للتكرار فى سائر الأزمات المماثلة مستقبليا؟.
لو حدث هذا وصار نهجا وأسلوبا، فسوف يقود إلى حلحلة بعض الأزمات المجتمعية المتتالية، الناتجة عن غياب الأفق السياسى عن الكثير من القرارات والقوانين.
أغلب الظن أن المشرع الذى صاغ المادة 35، أراد أن يحل للحكومة العديد من المشاكل، ويوفر لها الكثير من الموارد.
خطورة المادة 35، ورغم أنها لم تستحدث أى رسوم أو ضرائب جديدة، إلا أنها حاولت إجبار الجميع على دفع وتسديد العديد من الرسوم والضرائب، التى فشلت الحكومة فى إقناع الناس بسدادها طوال عقود.
على سبيل المثال، معظم الناس لا يسجلون عقاراتهم، وبالتالى لا يدفعون ضريبة التصرفات العقارية، أو رسوم نقابة المحامين المشكوك فى دستوريتها أو الرسوم الهندسية والمساحية، وبعضهم رفض التصالح فى مخالفات البناء. المادة 35 كانت ستجبر المصريين على دفع كل الرسوم السابقة، إذا أرادوا بيع أو شراء الوحدات السكنية، أو تغيير أى عداد للكهرباء أو الغاز أو المياه أو تركيب تليفون.
من حق الحكومة أن تسعى بكل الطرق لضمان تحصيل حقوق الدولة من رسوم وضرائب، لكن الأهم أن يتم ذلك بصورة طبيعية ومتدرجة تراعى الظروف الاقتصادية والسياسية وأيضا تداعيات كورونا.
فنيا القانون سليم فى الأوقات العادية، وشرط أن تكون حياة الناس وظروفهم مستورة ومعقولة، لكنه خطير سياسيا، ولا أعرف كيف يمكن تمرير مثل هذه المادة من مجلس الوزراء ومجلس النواب فى عز تفشى فيروس كورونا، الذى أثر على جميع اقتصادات العالم، من الكبار مثل أمريكا وأوروبا والصين نهاية بفقراء أفريقيا وما بينهما.
غالبية بلدان العالم تبحث عن حزم تحفيز ومساعدات للقطاعات الاقتصادية المتضررة من كورونا. وفى مصر فإن المجتمع بأكمله تضرر من هذه الجائحة، وبالتالى فإنه لا ينبغى فرض أى رسوم أو ضرائب جديدة فى مثل هذه الفترات إلا إذا كانت حتمية.
إذا كان تحصيل ضريبة التصرفات العقارية أو التصالح فى مخالفات البناء قد تأجل لسنوات سابقة، فليس عيبا أن يتأجل أيضا إلى ما بعد تعافى المجتمع من تبعات كورونا.
الرئيس السيسى تصرف بحكمة حينما وجه بحل المشكلة، وهكذا رأينا حزب ((مستقبل وطن)) يتحرك ومعه الحكومة ثم البرلمان، ثم حسم رئيس الجمهورية الأمر حينما وجه بتأجيل تنفيذ القانون لعامين على الأقل، وهو ما تحقق على وجه السرعة داخل البرلمان يوم الثلاثاء الماضى. وكل الأمل أن يستمر نفس النهج فى الفترة المقبلة، لكن الأهم أن تقتنع الحكومة بألا تقدم مشروعات قوانين مماثلة فى المستقبل، وأن تفكر فى العواقب والتداعيات قبل التقدم بالقوانين، وليس بعد إصدارها!
للمرة المليون يفترض أن تكون هذه الأزمة درسا بليغا للأحزاب وللبرلمان وللحكومة، فى دراسة أى مشروع قانون أو حتى قرار بصورة هادئة، حتى لا تتفاجأ كل مرة، بأنها صارت فى مرمى نيران الرأى العام، ناهيك عن مصيدة المتربصين.