بقلم: عماد الدين حسين
أول ما فعله الرئيس الأمريكى جو بايدن، حينما دخل مكتبه بالبيت الأبيض للمرة الأولى مساء الأربعاء الماضى، أنه استبعد تمثالا كان يضعه سلفه دونالد ترامب، للسياسى البريطانى الشهير ونستون تشرشل، ووضع بدلا منه تمثالا لرأس الزعيم العمالى والناشط فى الحقوق المدنية سيزاز تشافيز، مؤسس الجمعية الوطنية للعاملين بالمزارع عام ١٩٦٩، والذى كرّس حياته للدفاع عن حقوق المزارعين وأجورهم.
بايدن هو من طلب وضع هذا التمثال، وهو ما يكشف جانبا كبيرا من تفكيره فى حين أن ترامب كان يدافع عن مصالح الطبقات الأكثر ثراءً بمن فيهم كبار ملاك الأراضى، وليس عن المزارعين الأجراء.
ولذلك فإن نجل تشافيز قال إن هذه الخطوة لها دلالة رمزية مهمة وتعبر عن «ولادة الأمل من جديد للأمة الأمريكية».
حينما دخل ترامب البيت الأبيض قبل ٤ سنوات، أزال تمثالا للزعيم الأمريكى من أصول إفريقية مارتن لوثر كينج، ووضع رأس تشرشل بدلا منه، لكن تمثال كينج سيعود مرة أخرى مع بايدن، إضافة إلى تمثال آخر للرئيس الأمريكى رقم ٣٥ جون كيندى، علما بأن بايدن وكيندى هما الرئيسان الوحيدان بين رؤساء الولايات المتحدة الكاثوليك خلافا لبقية الرؤساء البروتستانت.
من الفروق التى تعكس اختلافا فى الذوق، فإن ترامب كان يضع ستائر ذهبية فى المكتب البيضاوى، فى حين أن بايدن استبدلها بستائر داكنة، كانت موجودة من أيام الرئيس الديمقراطى الأسبق بيل كلينتون.
فى نفس المعنى كان ترامب يضع على مكتبه صورة للرئىيس الأسبق أندرو جاكسون، وهو الرئيس الذى كان متهما بأنه يكسب المال من سخرة العمال، ومات عدد كبير من سكان أمريكا الأصليين خلال فترة ولايته.
بايدن أزال هذه الصورة ووضع بدلا منها صورا لرؤساء سابقين مثل فرانكلين روزفلت وتوماس جيفرسون وإبراهام لنكولن.
هذه الفروق التى وردت فى تقرير لصحيفة «صن البريطانية» ليست مجرد فروق شكلية كما يعتقد البعض، لكنها تكشف إلى حد كبير عن فروق جوهرية فى الانتماءات والانحيازات والتوجهات والميول، وبالتالى يمكنها أن تقدم لنا صورة واضحة عن الشخصية.
من بين هذه الفروق أن ترامب كان يحتقر الإعلام والصحافة والصحفيين، وكان دائم التسفيه منهم، وتوجيه الاتهامات لهم، حتى للوسائل التى كانت محسوبة على معسكره اليمينى، مثل قناة فوكس نيوز، لمجرد أنها لم تتبن وجهة نظره الكاملة فى أى قضية، وهاجمها بشدة حينما رفضت زعمه بأن الانتخابات تم تزويرها.
فى طريقة لأداء القسم أسرع بايدن للترحيب بأحد المراسلين المصطفين على جانب الممشى. هو كان يريد أن يبعث برسالة أن صحته جيدة جدا، وقادر على الهرولة، وليس مريضا أو مصابا بالزهايمر كما يروج البعض. لكن الأهم أنه بعث برسالة ترحيبية لمجتمع الصحفيين، فى حين أن سلفه وصل به الأمر إلى طرد مراسل السى إن إن، الذى عاد مرة أخرى للبيت الأبيض بحكم قضائى.
احترام بايدن للصحافة تجلى أيضا فى اللحظات الأولى لدخوله البيت الأبيض حينما دعا عدد كبير من المراسلين لمكتبه ليشهدوا مراسم توقيعه على الأوامر التنفيذية الجديدة والتى تلغى قرارات جوهرية أصدرها ترامب. مثل العودة لاتفاقية المناخ وعضوية منظمة الصحة العالمية ووقف بناء السور الفاصل فى المكسيك ووقف منع مواطنى ٧ دول إسلامية من دخول أمريكا.
من بين الفروق ذات المغزى حتى فى المشروبات، وطبقا لما ذكرته صحيفة «The Hill» أن بايدن ألغى «الزر الأحمر» الذى كان يقوم ترامب بالضغط عليه لاستدعاء أحد الموظفين، لتقديم مشروب «الدايت كولا» الذى كان يستهلك منه 12 علبة يوميا!!.
هل يعنى كل ما سبق أن بايدن سيعيد أمريكا لتصبح جنة؟!
الإجابة هى لا، لأن أمريكا لم تكن جنة قبل ترامب، لكن من المحتمل أن بايدن سيعيدها دولة طبيعية. هو انتصر للديمقراطية واحترام الدستور والحريات والتنوع، وسيحاول التخلص من إرث ترامب الذى كاد أن يحول أمريكا إلى جحيم حقيقى. وإذا تمكن بايدن وإدارته من فعل ذلك، سيكون قد أدى عملا عظيما، لكن إزالة الإرث الترامبى ليس أمرا سهلا، ويحتاج إلى جهد كبير ومستمر، وقد بدأه بايدن بالقرارات التنفيذية التى تحتاج إلى نقاش لاحق إن شاء الله.