بقلم: عماد الدين حسين
طوال العامين الماضيين، زرت أكثر من سجن بدعوة كريمة من وزارة الداخلية، وفى كل مرة كنت وزملائى الإعلاميين أو الحقوقيين، نلتقى بمساجين جنائيين، ولم يحدث أن التقيت خلال زياراتى بمساجين من خلفية سياسية.
ظهر الأحد الماضى، كان الأمر مختلفا ومفاجئا. زرت مع زملاء إعلاميين سجن ليمان طرة، وهو الأقدم فى مصر حيث تم إنشاؤه زمن الاحتلال الإنجليزى ١٨٨٩. استقبلنا اللواء طارق مرزوق مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون، الذى تولى مهام منصبه الأسبوع الماضى فقط، خلفا للواء هشام البرادعى.
قبل أسبوعين زرت سجن النساء فى القناطر الخيرية بالقليوبية، وبعدها كتبت ثلاثة مقالات على هامش هذه الزيارة، أحدها كان بعنوان «فتح السجون أمام الزيارات» يوم الأحد ١٠ يناير الماضى، وفى هذا المقال تمنيت بوضوح على وزارة الداخلية وقطاع السجون أن يفتحوا السجون أمام زيارات الإعلاميين والحقوقيين خصوصا الأجانب، بما فيها السجون شديدة الحراسة، والموجود فيها مساجين ذوو خلفيات سياسية.
أول مظاهر الاختلاف فى زيارة الاحد الماضى كان وجود أكثر من ١٥ من مراسلى وكالات الأنباء العالمية، والعديد من مراسلى الفضائيات العربية والدولية.
هذا تطور مهم أن يكون مثل هذا العدد داخل السجون، حتى يروا الصورة كاملة إلى حد كبير أمامهم. لكن المفاجأة أو الاختلاف الأكبر كان فرصة اللقاء مع مساجين مختلفين، أقصد مساجين غير جنائيين، كما حدث فى غالبية الزيارات السابقة.
حينما كنت أتجول فى مخبز ومطبخ ليمان طرة، بصحبة الوفد الزائر سمعت أن مجدى أحمد حسين رئيس تحرير جريدة الشعب الأسبق موجود فى عيادة الأسنان بمستشفى سجن طرة.
دخلت العيادة أنا والزميلان خالد ميرى رئيس تحرير الأخبار وسمير عمر مدير مكتب فضائية سكاى نيوز عربية بالقاهرة. أعرف مجدى أحمد حسين من بداية التسعينيات، وسبق أن زرنا ليبيا برا فى إبريل ١٩٩٤، برفقة وفد صحفى عربى ودولى، حينما كان مفروضا عليها الحصار الجوى على خلفية عقوبات قضية لوكيربى، وقابلنا معمر القذافى.
مجدى حسين كان هادئا ومبتسما، ويتلقى علاجا لأسنانه. تحدثنا نحن الثلاثة معه، وقال كلاما واضحا لا لبس فيه، خلاصته أنه يتلقى معاملة طيبة داخل السجن، خصوصا فيما يتعلق بالأكل الذى يتلقى معظمه من خارج السجن، والعلاج داخل المستشفى، والأهم بالنسبة له الكتب التى تصل إليه بانتظام. وفوجئت بأنه قال لى إنه يتابعنى أحيانا حينما أظهر فى بعض الفضائيات خصوصا البى بى سى.
تركنا مجدى حسين يتلقى علاجا لأسنانه فى العيادة. وفى غرفة أخرى بالمستشفى، كان هناك شخص آخر يتلقى علاجا لمعدته. وعرفت من أحد ضباط السجن، أنه أحمد على عبداللطيف المحكوم عليه بالإعدام فى قضية التخابر مع قطر. عبداللطيف كان يرتدى البدلة الحمراء، وحينما تحدثت معه أنا والزملاء أكد أنه يتلقى رعاية طبية لائقة، ويعيش فى زنزانة انفرادية، نظرا لأنه محكوم عليه بالإعدام.
غادرنا المستشفى، وتجولت فى المكتبة وفصول محو الأمية، وبينما كنت أسير سمعت من ينادى على، وفوجئت بأنه الزميل الصحفى حسن القبانى الذى تم القبض عليه هو وزوجته عقب قيامه بزيارة أسرة محمد مرسى بعد وفاته.
تحدثت مع القبانى وكان معه الزميل أحمد شاكر من روزاليوسف فى نفس السجن.
سألت القبانى عن ظروف سجنه، فأقسم أنه لا يعانى من أى شىء بالسجن، ومعاملته طيبة للغاية، لكنه يتوق للحرية والخروج من السجن. وبالطبع هذا شعور طبيعى لأى سجين.
انتهى الحوار مع القبانى، وأكملت الجولة، مع اللواء طارق مرزوق وذهبنا إلى المخبز والمطبخ والعديد من أقسام السجن، الذى يطبق أشد الإجراءات الاحترازية فى مقاومة فيروس كورونا، وفى الأقسام التى تجولنا فيها، كانت كل الأمور على ما يرام.
انتهت الجولة، التى تعتبر تطورا مهما، ينبغى أن نشكر عليه وزارة الداخلية، ونشيد تحديدا بصاحب هذه الفكرة، وكل من عمل على إخراجها للنور.
ما حدث يوم الأحد مفيد لوزارة الداخلية والحكومة والنظام والدولة، والأهم للمجتمع بأكمله. نتمنى أن تستمر هذه السياسة وتتوسع حتى نرد على كل ما يقال عن السجون، والأهم أن نبدأ فى الإفراج عن كل من يثبت براءته، أو كل من ليس إرهابيا أو متطرفا، ولم تتلوث يداه بالدماء، ولا يشكل خطرا على الأمن العام، بحيث يتفرغ المجتمع للبناء والتقدم والتصدى للقوى المتطرفة والإرهابية.