قبل أيام قليلة تلقيت اتصالا من أحد الأصدقاء. كان غاضبا وحزينا، والسر أنه اكتشف أن ابنه البكر الذى لم يتجاوز الـ ٢١ عاما، قد صار مدخنا. سر حزنه أنه جلس مع ابنه مئات المرات، ليحذره من أضرار التدخين، لكن كل هذه النصائح ذهبت أدراج الرياح بسبب شلة أصدقاء السوء، الذين جعلوه مدخنا، لا يستطيع الإقلاع بسهولة.
الأب قال إنه أكثر من يعرف أضرار التدخين لأنه ظل مدخنا ١٥ عاما متواصلة، لكنه تمكن من التوقف، وصارت صحته جيدة رغم أن عمره تجاوز ٦٥ عاما.
الابن متفوق فى دراسته، ومستقبله واعد، لكنه لا يدرك خطورة التدخين على كل نواحى حياته، بل بدأ يشعر بالإرهاق، وفى الأيام الأخيرة لم يكن قادرا على أن «يأخذ أو يشم نفسه» خلال السباحة، وقبل التدخين كان يستطيع السباحة لوقت طويل من دون توقف.
فى نفس الأسبوع الذى سمعت فيه قصة ابن صديقى قابلت صنايعى سيارات أعرفه منذ شهور. كان غاية فى الاكتئاب، وحينما سألته عن السبب، قال إن ابنه وعمره «٣١ عاما» قد حكم عليه بالسجن عشر سنوات، بتهمة حيازة وتعاطى مخدرات وهيروين.
هو قال إن ابنه كان مدمنا بالفعل، وجسمه كله «مشكشك من الإبر»، لكن أكرمه الله وتمكن من الإقلاع عن الإدمان، وبدأ فى العمل محصلا بإحدى الشركات.
وذات يوم كان يركب ميكروباصا، ولدى مروره بأحد الأكمنة الأمنية، تم فحص الركاب، ووجد الضابط معه أموالا كثيرة المفترض أنها أموال الشركة. الوالد متأكد من أن ابنه تاب وأقلع، لكن الحكم القضائى واضح بالإدانة.
قلت للأب ربما عاد ابنك للإدمان مجددا من دون علمك. وحاول أن تستأنف على الحكم بمحامٍ جيد.
العبرة من هذه الحكاية أن طريق الإدمان نهايته كارثية والخسارة فيه مؤكدة فى كل الأحوال.
هذا الشاب متزوج ولديه خمسة أطفال جميعهم صغار جدا. فأى مستقبل ينتظرهم، إذا استمر والدهم فى السجن بسبب لعنة إدمان المخدرات؟!
القصة الثالثة لصديق صعيدى أعرفه من أيام الجامعة، كان مدمنا على التدخين بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، كان يأكل السجائر ولا يشربها فقط!! يدخن على معدة فارغة، ولا يأكل بانتظام، وإذا أكل فإن معظم ما يتناوله من أكل الشارع. حياته بكاملها كانت غير صحية بالمرة. والنتيجة المحتمة أنه أصيب بكل أمراض القلب خصوصا الضغط والكوليسترول المرتفع، ثم أصيب بالسكر وبعدها جاءت الإصابة الصعبة بالسرطان، هو أجرى عملية قلب مفتوح، ثم استئصال جزء من الرئة المصابة بالورم. وبالتالى لم يكن هناك مفر من التوقف عن التدخين. استمر مقلعا حوالى عامين أو ثلاثة، وبدأ يشعر بالراحة النسبية مقارنة بالسنوات الصعبة السابقة.
المفاجأة المحزنة أنه عاد قبل شهور للتدخين. لم أصدق ذلك حينما سمعت هذا الخبر الحزين. اتصلت به مرارا وكذلك فعل كل الأصدقاء المشتركين.
يقول إن حالته النفسية السيئة، هى التى دفعته للعودة للتدخين، ووعد كل أصدقائه وأسرته بالتوقف، لكنه لم يفعل حتى الآن.
قصة هذا الصديق عبثية ولا يمكن تصنيفها إلا تحت عنوان «الانتحار الطوعى العمدى».
القصص الثلاثة السابقة وللمصادفة عرفتها جميعا خلال الأسابيع الأخيرة، تداعت إلى ذهنى، وأنا أستمع إلى الدكتورة نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعى، ورئيس صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، خلال العرض الذى قدمته، أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم الثلاثاء قبل الماضى «١٦ فبراير»، عن نتائج المسح القومى الشامل لتعاطى وإدمان المخدرات. وهى نتائج تستحق التأمل والدراسة، حيث كشفت أن ٢٨٪ من المصريين مدخنون و٦٪ يتعاطون المخدرات.
سأحاول إن شاء الله العودة لاحقا لقراءة أكثر تفصيلا فى هذه النتائج، لعلنا نتمكن من تسليط الضوء على هذه المأساة وإقناع المدخنين والمدمنين خصوصا الشباب بخطورتها وضرورة التوقف عنها.