بقلم: عماد الدين حسين
فى الأيام الماضية كتبت هنا أكثر من مرة منتقدا الحكومة ومجلس النواب السابق، وكل من ساهم فى نشوء وتطور أزمة قانون تسجيل العقارات بالشهر العقارى. وإثباتا للموضوعية أحيى الطريقة التى تم بها إنهاء الأزمة، خصوصا بعد توجيه الرئيس عبدالفتاح السيسى بتأجيل تنفيذ القانون عامين على الأقل.
فى مرات كثيرة اتخذت الحكومة قرارات، ومررت قوانين ثبت أنها ناقصة أو خاطئة أو ملتبسة، لكن الأخطر أنها أصرت عليها، مما أدى إلى خلق حالة زادت من فقدان الثقة بينها وبين غالبية المواطنين.
فى هذه المرة اختلف الأمر، ولم تعاند الحكومة أو تكابر. تقديرى أن عملية التصحيح بدأت من الرئيس عبدالفتاح السيسى شخصيا، حينما وصلته التقديرات والتقارير بأن هناك غضبا شعبيا متزايدا، والأهم أن القانون ورغم حسن نيته إلا أنه يتضمن تعقيدات كثيرة.
الحكومة أخطأت من البداية حينما تعاملت مع الموضوع باعتباره مجرد قضية فنية، وليست قضية سياسية اجتماعية اقتصادية شاملة تخص علاقة ونظرة المواطنين للحكومة. فى هذه المرحلة كان كل تركيز الحكومة على أن الضرائب والرسوم قديمة وليست مستجدة، لكنها نست أن المواطن لم يكن يدفع معظم هذه الضرائب، وحينما تربطهما بالمرافق التى يحتاج إليها المواطن بصورة دائمة، فهى تجبره على الدفع. وهنا يأتى عامل التوقيت؛ حيث تضرب تداعيات كورونا كل الاقتصادات الكبير منها والصغير، الغنى والفقير.
لم تكن الحكومة موفقة بالمرة فى توقيت تمرير هذا القانون. مجلس النواب السابق أيضا ارتكب خطأ سياسيا وتشريعيا كبيرا حينما مرر هذا القانون، ولم يلتفت إلى كل القنابل الموقوتة الكامنة فيه، بل ولم يلفت نظر الحكومة إلى هذه القنابل، حتى بمنطق أداء واجبه وإخلاء مسئوليته، باعتبار أن الحكومة كان يمكنها تمرير أى قانون بحكم الأغلبية التى كانت تتمتع بها عبر ائتلاف «دعم مصر».
مرة أخرى «البكاء على اللبن المسكوب» لا يفيد كثيرا، لكنه مفيد أحيانا، من أجل استخلاص الدروس والعبر، ومنع تكرار الأخطاء.
النقطة الجوهرية الإيجابية فى القضية الأخيرة أن رئيس الجمهورية استجاب للناس، والحكومة لم تعاند أو تكابر ولم تأخذها العزة بالإثم، وهو تطور مهم جدا يمكن البناء عليه فى المستقبل فى الحالات المماثلة.
وأظن أن رسالة الدولة قد وصلت للمواطنين، فقد كان أقصى ما يمكن توقعه هو التأجيل حتى نهاية هذا العام، أى لمدة عشرة شهور فقط، كما اقترح حزب «مستقبل وطن»، لكن الرئيس رفع المدة إلى عامين على الأقل، يتم خلالها بحث أفضل السبل لتحقيق مصلحة المواطنين وتحصيل حقوق الدولة.
الحكومة أخطأت خطأ كبيرا، وهيأت الفرصة لكل المتربصين بها لأن يصبوا المزيد من الوقود على النار المشتعلة، ولا يمكن أن نلوم هؤلاء حينما يفعلون ذلك، لأن تلك هى بضاعتهم وتجارتهم الوحيدة، والخطأ الأكبر على من يهيئ لهم الفرصة. ثم إن مثل هذه الطريقة الحكومية، سترسخ انطباعا ــ حتى لو كان خاطئا ــ بأن هدف الحكومة الوحيد هو جباية الأموال من المواطنين، طوال الوقت، ومن دون مراعاة ظروفهم المعيشية الصعبة.
الأجهزة الأمنية، وأجهزة قياس الرأى العام، كان لها دور مهم فى التعجيل بنزع فتيل الأزمة، بعد أن اطلعت على حالة الغضب، والاستياء بين غالبية المواطنين بسبب القانون. وأتمنى أن تراعى القيمة الثابتة المقطوعة، والتى قال الرئيس السيسى إنها «مخفضة» خلال الفترة الانتقالية، الظروف الصعبة التى يمر بها الجميع، ولا أعرف هل ستكون موحدة للجميع، أم مختلفة ومتدرجة حسب المكان والمساحة وقيمة عقد البيع.
الدرس الأهم الذى لا أمل من تكراره، هو ضرورة أن تكون هناك هيئات أو لجان أو مؤسسات أو أجهزة، وما يشبه خلية إدارة الأزمة، تنظر فى كل قرار أو مشروع قانون قبل صدوره، خصوصا إذا كان يمس حياة الناس، ويتضمن دفع ضرائب أو رسوم أو دمغات أو أموال تحت أى بند.
أن تتناقش وتتجادل اللجنة وتبحث بهدوء فى الأمر، وقبل صدور القرار أو القانون، أفضل مليون مرة، من حدوث ذلك بعد الصدور. وأتصور أن هذه المهمة يفترض أن تكون أولوية لدى البرلمان بمجلسيه، خصوصا مجلس النواب الذى يقوم بإصدار القوانين.
لم نعد نملك ترف تكرار صدور قوانين مماثلة فى المستقبل، لأن التكلفة الشاملة خصوصا السياسية على الحكومة والنظام والمجتمع فادحة.