بقلم: عماد الدين حسين
هل الرد الأمثل مصريا على الانتقادات الشديدة التى صدرت من البرلمان الأوروبى قبل أيام بشأن ملف حقوق الإنسان فى مصر، هو السب والشتم والانتقادات فقط؟!
البرلمان الأوروبى وجّه انتقادات شديدة للسلطات المصرية، وطالب بإطلاق سراح العديد من المسجونين، بل وحدد أسماء حوالى 25 اسما.
للأسف الشديد فإن معظم ما صدر من ردود مصرية، لم يكن على مستوى الحدث، ولم يكن فى الاتجاه الصحيح من وجهة نظرى، وأتمنى أن أكون مخطئا!
أكبر خطأ وقع فيه غالبية من تصدروا للموضوع، أن خطابهم كان موجها للداخل المصرى، وليس للخارج الذى أصدر التقرير، وكأننا «نبشر فى المؤمنين» كما يقولون!
لا أقول ذلك تجنيا، بل هو واقع رصدته بنفسى وأنا أتابع ردود الأفعال وبعض الكلمات والتصريحات للرد على موقف البرلمان الأوروبى.
عدد من الذين تحدثوا فى الموضوع، كانت كلماتهم رتيبة جدا، وتصلح فى ندوة رسمية، وليست حتى ندوة شعبية أو غير حكومية.
الذين يتحدثون تشعر أنهم يخاطبون المسئولين، وليس الذين أصدروا تقارير الإدانة فى أوروبا.
بعض رجال الدين الإسلامى والمسيحى، يتحدثون بنفس الطريقة التقليدية جدا، التى تشير إلى أن الأديان تحترم حقوق الإنسان سواء فى القرآن أو الإنجيل، أو حتى فى كل الكتب السماوية والوضعية، وكأن القضية تتعلق بالدفاع عن الإسلام أو المسيحية!
ما الجديد الذى يمكن أن يضيفه مثل هذا الخطاب الشديد التقليدية والرسمية؟!
ما الذى سوف نكسبه، حينما يكون جوهر كل خطابنا أن الغرب ظالم ومفترٍ ويكيل بمكيالين، ولديه معايير مزدوجة بشأن حقوق الإنسان، وأنه ظالم ومتجبر؟
كل ما سبق صحيح، والغرب فى مرات كثيرة يقول إنه يفرض أجندته ورؤاه على العالم لأنه قوى، وبالتالى فإن السؤال الحقيقى، وبعد أن ندين الغرب ونصفه بكل الصفات السيئة، فكيف يكون الرد الصحيح والعملى على ما أصدره البرلمان الأوروبى وقبله العديد من المنظمات الحقوقية، والمؤكد أن مثل هذه الإدانات سوف تزيد فى الفترة المقبلة مع تولى الرئيس الأمريكى جو بايدن مهام منصبه بعد أيام.
لو كانت لدينا أساطيل وأسلحة نووية مثل الصين أو روسيا، فكان يمكن لنا أن نقول للغرب: «نحن نرفض اتهاماتكم وتقاريركم، لأنها تهدف لتحقيق مصالحكم، وليس تطبيقا لمبادئ إنسانية، وبالتالى اخبطوا رءوسكم فى أقرب حائط».
لكن وبما أن هناك مصالح لنا مع هذا الغرب، مثل معظم بلدان العالم، وبما أننا نعيش فى عالم واحد ومعولم، ولن نستطيع أن ننعزل بمفردنا، وبما أننا نحتاج إلى هذا الغرب أحيانا فى العديد من المجالات، فعلينا أن نبحث عن صيغة جديدة ومفيدة. صيغة عملية توائم بين الحفاظ على كرامتنا وسيادتنا وعدم الخضوع للإملاءات، وبين مراعاة القيم العالمية لحقوق الإنسان التى صارت عابرة للدولة والأوطان.
لا مانع من مخاطبة الداخل والتبشير فى المؤمنين من أجل زيادة تماسك الجبهة الداخلية، لكن علينا أن نتعلم بجانب ذلك اللغة التى يتحدث بها العالم، وأن نسد الثغرات التى تعطى لبعض المنظمات والأنظمة والمتربصين ذرائع للتدخل فى شئوننا، والأخطر إعطاؤنا دروس فى ضرورة الحفاظ على حقوق الإنسان لمواطنينا، والبحث عن لغة جديدة مسألة مهمة حتى لا يدخلنا البعض فى مصيدة يبدو أن البعض يسعى إليها بدأب.
هناك فارق كبير بين منظمات حقوقية تنتقد سجل الحكومة المصرية فى ملف حقوق الإنسان وبين انتقادات الاتحاد الاوروبى.
بعض المنظمات قد تكون فعلا متحيزة ولها أهداف واضحة ضد مصر كبلد وليس فقط ضد النظام، لكن فى حالة البرلمان الاوروبى، فإن الأمر مختلف، حتى لو كانت قراراته غير ملزمة للحكومات، فهو يمثل شعوب أوروبا كلها. أعلم أن السياسة وليس المبادئ هى التى تحكم كل شىء، لكن مرة أخرى علينا أن نبحث عن طريقة جديدة ومختلفة، للتعامل مع هذا الملف الشائك، وأتمنى أن يكون الجهد الذى تقوده وزارة الخارجية والسفير سامح شكرى هذه الأيام فى هذا الإطار الجديد والمختلف والعملى.
الرد على الانتقادات الأخيرة لا يكون فقط بندوات وتصريحات ومقارنات، و«التبشير فى المؤمنين» وكلها أشياء مهمة، ولكن بردود عملية مختلفة تخاطب من ينتقدنا وتفند انتقاداته، أو تدعو لتعديل فى بعض الخطط والمسارات، حتى لا نقع فى «الفخاخ المنصوبة» من حولنا!!