بقلم: عماد الدين حسين
كيف ندافع عن رسولنا الكريم محمد عليه أفضل الصلوات والسلام، من دون أن نحقق الأهداف التى يسعى إليها كل المتطرفين من أول أردوغان وداعش والقاعدة، نهاية باليمين العنصرى والصهيونى المتطرف؟!
فى ظنى أن هذا سؤال جوهرى، ينبغى أن نضعه أمام أعيننا، ونحن نتعامل مع القضية التى فجرتها جريمة القتل البشعة التى نفذها المتطرف الشيشانى المولود فى موسكو قبل 18 عبدالله انزوروف، مدرس التاريخ الفرنسى صامويل باتى، قبل أيام فى شمال العاصمة الفرنسية باريس.
رأيى الواضح أنه مثلما أن القاتل انزوروف متطرف فإن المقتول باتى متطرف أيضا، حينما قام بالترويج والدفاع عن الرسوم الكرتونية المسيئة للرسول الكريم، ويشترك معه فى التطرف كل من أيَّـد فعلته، حتى لو كانوا يرونها جزءا من حرية التعبير.
هذه الجريمة البشعة بفصل رأس المدرس عن جسده، استفاد منها كثيرون، فى مقدمتهم المتطرفون فى كل الأديان والعقائد السماوية والأرضية.
هؤلاء لا يعيشون أو يعتاشون أو ينشطون إلا فى ظل هذه النوعية من الجرائم والأزمات، التى اذا انتهت فسوف تبور بضاعتهم فورا.
فى عالمنا العربى والإسلامى فإن المستفيد الأكبر هو تنظيم داعش وأمثاله وكل التنظيمات المتفرعة منه أو المتعاطفة معهم. هؤلاء إذا لم يجدوا مثل هذه الأزمات، فإنهم يخلقونها، وفى الغرب فإن المستفيد الأكبر هو كل المتطرفين والعنصريين والصهاينة، الذين حولوا الإسلام إلى عدوهم الأول بعد أن انتهت معاركهم مع الشيوعية قبل عقود.
يفترض أن يكون واضحا للجميع أن هناك تحالفا وثيقا بين المتطرفين عندنا وعندهم، ولا يمكن أن ينشطوا إلا معا. المتطرف المسلم والمسيحى واليهودى والهندوسى والبوذى.
المتطرفون، هدفهم الأسمى، أن يجروا الجميع خصوصا المعتدلين إلى ملعبهم، وللأسف فإنهم ينجحون كثيرا فى هذه اللعبة الجهنمية.
حينما قتل انزوروف المدرس الفرنسى، فإنه بقصد، أو من دون قصد، استدرج كل الفرنسيين والغربيين للتضامن مع المقتول والدفاع عن القيم الغربية، ودفع غالبية المسلمين للدفاع عن دينهم ونبيهم.
غالبية المسلمين تجهل أن فرنسا علمانية، وكتابها ومثقفيها ينتقدون ويسخرون من كل الأنبياء، وفى مقدمتهم عيسى وموسى عليهما السلام، وبالتالى حينما ينتقدون نبينا محمد، فهم لا يرون فى ذلك مشكلة. لكن فى المقابل فإن الغربيين عموما لا يدركون حساسية انتقاد النبى الكريم محمد بالنسبة لنا كمسلمين، وهم يريدون أن نفكر مثلهم فى هذا الموضوع. هم تجاوزوا هذه الحساسيات منذ زمن بعيد، وبالتالى حينما يصرون على التعامل معنا بنفس منهجهم، يكتشفون أن هناك مشكلة كبيرة. وأظن أن هذا هو الخطأ الفادح الذى وقع فيه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، الذى اعتبر أن المشكلة فى الإسلام وليست فى قلة من المسلمين.
ووسط هذا التطرف العارم كانت هناك أصوات عاقلة كثيرة منها ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الاحتفال بالمولد النبوى صباح أمس، بأن «الحريات لم تأتِ مطْلقة حتى لا تحولها أهواء النفس البشرية إلى فوضى تبيح التخريب والتدمير، وينبغى أن تقف عند حدود حريات الآخرين، مطالبا بجعل ذكرى مولد النبى نبراسًا يضىء لنا الطريق لنعمر ونحقق المفهوم الحقيقى للرحمة فى مواجهة جماعات القتل والتخريب».
الرئيس قال أيضا: «إن مكانة سيد الخلق النبى العظيم فى قلوب ووجدان المسلمين فى كل أنحاء العالم لا يمكن أن يمسها قول أو فعل، وأؤكد الرفض القاطع لأى أعمال عنف أو إرهاب تصدر من أى طرف تحت شعار الدفاع عن الدين أو الرموز الدينية المقدسة، فجوهر الدين هو التسامح».
وما قاله أيضا الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، فى نفس المناسبة بأن «النبى تعرَّض فى حياته وبعد رحيله، لمثل ما يحدث الآن، ولكنه كان يتعامل بالصفح والإحسان والدعاء للجاهلين به بالهداية». وطالب الامام الأكبر بإقرار تشريعى يجرم معاداة المسلمين والتفرقة بينهم وبين غيرهم فى الحقوق والواجبات.
ولفت نظرى أيضا قول وزير الأوقاف محمد مختار جمعة إن «العالم لن يقدِّر الدين الإسلامى حق التقدير، إلا إذا أحسنا نحن فهم ديننا وتفوقنا فى أمور دنيانا».
من سوء الحظ أن المتطرفين نجحوا فى تصوير الإسلام لدى قطاعات واسعة فى الغرب والشرق وكأنه دين دموى يسعى للهيمنة والسيطرة، رغم أن العدد الأكبر من ضحايا التطرف الإسلامى كانوا من المسلمين، والدمار الأكبر كان فى بلاد المسلمين ولا يزال.
علينا مهمة كبرى أن نفضح المتطرفين فى كل مكان، ونمنع متاجرتهم بديننا الحنيف، وفى الوقت نفسه نظهر وننشر سيرة رسولنا الكريم الذى قال عنه المولى عز وجل: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».
فى يوم مولدك عليك أفضل الصلاة والسلام يارسول الله.