بقلم: عماد الدين حسين
هل من المعقول ومن القانونى أن يكون هناك مصنع للأحذية أو لأى نشاط آخر أسفل برج سكنى يضم ١٠٨ وحدات سكنية وسط منطقة مكتظة سكانيا؟!
أطرح هذا السؤال بمناسبة الحريق الذى اشتعل فى مصنع للأحذية بأحد العقارات فى نطاق قسم كرداسة قرب الطريق الدائرى بفيصل، وتبين أن البدروم عبارة عن مصنع للأحذية، أما الدورين الأول والثانى فهما عبارة عن مخزن لنفس المصنع بمساحة ألف متر؟!
الحريق اندلع مساء السبت الماضى، وظل مستمرا لثلاثة أيام، وبسبب انفجار أعمدة الحديد المسلح بالبرج نتيجة اصطدام النار مع مضحات المياه، وخوفا من حدوث كارثة، فقد جرى إخلاء كل قاطنى الشقق السكنية، وكذلك بعض العقارات المجاورة، وتم اتخاذ قرار بهدم المبنى طبقا لتوصيات أساتذة كليات الهندسة الذين عاينوه، وأكدوا أنه لا بديل عن الهدم بسبب أن أعمدة الحديد تآكلت، والجدران تأثرت بل إن المبنى صار مائلا مما يهدد بكوارث لا حصر لها.
صاحب البرج والمصنع بدأ حياته من أول السلم بائعا للشباشب على عربة خشبية طبقا لما نشره موقع مصراوى ــ وهذا لا يعيبه إطلاقا ــ، وتمكن من امتلاك أكثر من محل، ثم باعها جميعا، واشترى قطعة أرض تطل على الطريق الدائرى بنطاق مركز كرداسة شمال محافظة الجيزة، ويحمل لقب «إمبراطور كوتشى التقليد».
وضع الرجل ثروته فى بناء البرج، واستغل البدروم كمصنع للأحذية، فى حين تم تخصيص الدورين الأول والثانى كمخزن، به كل المواد المتعلقة بصناعة الأحذية ومعظمها قابل للاشتعال خصوصا «الكلة» و«التنر».
طبقا لكل التقارير الصحفية ثم تحقيقات النيابة، فإن المبنى بأكمله مخالف من دون ترخيص، وبالتالى فالمصنع نفسه مخالف، ومن دون الالتزام بالحد الأدنى من اشتراطات الدفاع المدنى والأمن الصناعى.
يقول مالك البرج إنه عرض التصالح على الحى، لكن الأخير نفى، ولا نعرف على أى أساس تم التصالح، وعلى أى أساس رفض الحى، وإن كان منطقيا صعوبة التصالح على كل هذه المخالفات.
هذا البرج سوف يتحول إلى مأساة قد لا ننساها بسهولة، حتى تقع مأساة أخرى لا قدر الله!!.
قبل الحادث بأيام قليلة استقبل مخزن المصنع حاوية كبيرة تشمل مواد خام تخص الأحذية قيمتها ١٥٠ مليون جنيه، البرج يضم ١٤ دورا، بواقع ١٠٨ وحدات سكنية، أقل وحدة سكنية ثمنها ٤٠٠ ألف جنيه، وبالتالى فإن كل هذه الثروة العقارية، سوف يتم إهدارها، ناهيك عن خسائر التشرد والبحث عن أماكن بديلة.
السؤال الأزلى والأساسى والذى نكرره بلا كلل أو ملل هو: من الذى سمح لهذا الرجل وبقية الملاك أن يبنوا هذا البرج بدون ترخيص؟!!.
وإذا كنا نعرف الإجابة المتمثلة فى فساد المحليات، فكيف تم السماح له بإقامة مصنع يحتوى على كل هذه المواد الخطرة وسط هذا الحيز السكانى المكتظ، وفى عمارة بها ١٠٨ شقق سكنية؟!.
وحتى إذا افترضنا أن هذا الأمر متكرر فى العديد من المنشآت والمبانى السكنية وغير السكنية فى العديد من محافظات الجمهورية، فكيف لم يتحرك أحد للتأكد من التزام هذا المصنع بالحد الأدنى من احتياطات واشتراطات الدفاع المدنى؟!
كيف مات ضمير كل المسئولين عن الأمر فى محافظة الجيزة ــ وقت إنشاء البرج ــ بحيث إنهم حتى لم يلاحظوا أن طريقة البناء حولت الأدوار الثلاثة الأولى إلى صندوق مغلق بالأسمنت المسلح، لأن أصحاب البرج بنوه بصورة خاطئة تماما، تعوق وجود أى فتحات تهوية، وتمنع سيارات الإطفاء من الدخول فى حالة وجود حريق، فى حين أن صاحب البرج كان يعتقد أن هذه الطريقة ستضمن سلامة البرج لعقود من الزمان، ثم فوجئ بأنها كانت السبب الرئيسى فى تفاقم المأساة، وعدم مساعدة وسائل الدفاع المدنى فى إطفاء الحريق، رغم دورها البطولى خلال الحريق.
مرة أخرى أتساءل هل من الممكن أن يتمكن القانون المنتظر لاشتراطات البناء، من معالجة هذه الثغرات القاتلة، بحيث نبدأ فى معالجة ما هو قائم، ونمنع تكرار المأساة مرة أخرى؟!
وبالمناسبة هل يمكن لمحافظ الجيزة ووزير التنمية المحلية وكل أجهزة الدولة المعنية أن تحقق فى بداية وأصل الموضوع، وتخبر الرأى العام كيف سارت فصول بناء هذا البرج من أول يوم حتى وقوع المأساة، وأن تعلن عقوبات ولو بأثر رجعى، فربما، يكون ذلك كافيا لردع فاسدين آخرين من تكرار الأمر؟!