بقلم: عماد الدين حسين
مساء الأربعاء الماضى، سألت خبيرا قريبا جدا من الحكومة عن قراءته لتصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الإسماعيلية صباح الثلاثاء الماضى، بشأن قبوله للمعارضة الهادفة.
الخبير مطلع بدقة على المشهد السياسى المصرى منذ سنوات، ويعرف واقع المعارضة المصرية. هو قال لى الآتى انقله مع بعض التصرف.
أولا: المعارضة ليست منحة من الدولة أو الحكومة أو النظام أوالمؤسسات والأجهزة، بل هى عمل نضالى طويل ومتراكم، وتضحية مستمرة من المعارضة من خلال تحركاتها وسط الناس.
ثانيا: يجب أن تخرج القوى السياسية عموما من حالة التمحور حول الفراغ السياسى، بمعنى أنه «لا يجب أن نظل مقتنعين بأننا ندرك ما لا نريد، ولكن الاهم أن ندرك ما نريد»، وبالطبع ما نحن قادرون على تحقيقه فى إطار الظروف الموجودة.
ثالثا: عقب ثورة 25 يناير 2011، حدث انفتاح سياسى كبير، بإسقاط الحزب الوطنى، لكن النتيجة الفعلية كانت هى سيطرة جماعة الإخوان، وحينما تم إسقاط الإخوان فى 30 يونيو 2013، انكشفت النخب والاحزاب والتيارات السياسية، بسبب عدم وجود مشروع سياسى شامل لديها، قادر على جذب قاعدة جماهيرية. ولا ينبغى أن يتحجج أحد بحصار الأمن للأحزاب، فطوال عامين ونصف تقريبا من 25 يناير 2011 وحتى 30 يونيو 2013، كانت الحريات كاملة بل ومنفلتة وزاد عدد الأحزاب عن المائة، وطوال العامين والنصف لم تتمكن كل الأحزاب المدنية من بناء أى قاعدة جماهيرية، بل انشغلت بمعارك وصراعات معظمها عبثية, وتركت الساحة خالية للقوى الدينية المتطرفة، التى تمكنت من السيطرة على مجلس الشعب والشورى بل ورئاسة الجمهورية، ولولا ثورة 30 يونية، لتحولت مصر لإيران أو أفغانستان أخرى.
رابعا: المعارضة الطبيعية لا تكون إلا هادفة، بمعنى أن يكون لها أهداف واضحة، وطرق نضال سياسى مشروعة، للوصول إلى نتائج محددة، مثل الوصول للحكم عن طريق صناديق الانتخاب وتشكيل الحكومة، وهذا لن يتم إلا عبر سلوك طريق سياسى طويل الأمد، وليس بمكتسبات استباقية.
خامسا: فكرة الوصول للجمهور لم تعد قاصرة على وسائل الإعلام التقليدية أو الندوات والمؤتمرات الجماهيرية، بل صارت متاحة بصورة غير مسبوقة عبر شبكات التواصل الاجتماعى. وصار بإمكان شخص واحد أن يصل للملايين، فما بالك بالحزب الذى يفترض أن يكون مؤسسة سياسية كبرى تضم الآف الكوادر المدربة والخبيرة بجميع المجالات. والسؤال هل تملك الأحزاب المصرية ذلك؟!
سادسا: المعارضة الهادفة يقصد بها القدرة على طرح رؤى قابلة التنفيذ، وهذا لا يحدث إلا إذا كان هناك فهم ورصد حقيقى للواقع، وتصور واضح وعملى للحلول، وفقا للإمكانيات المتاحة، وليس للأحلام أو الأوهام، وأظن أن هذا ما قصده الرئيس السيسى خلال حديثه فى الإسماعيلية.
فى هذه النقطة يقول الخبير: لا يصح أن يخرج معارض لينسف كل ما تحقق على أراض الواقع، مثل الإنجازات الكبرى الشاملة فى البنية التحتية، خصوصا الكهرباء والطرق والكبارى والمدن الجديدة. من حق المعارض أن يختلف حول طرق وآليات التنفيذ، لكن عليه أن يرى الأمور بواقعية ايضا.
سابعا: سألت هذا الخبير المؤيد لوجهة نظرالحكومة: لكن المعارضة ــ وأقصد بها المدنية ــ تتهم الحكومة بأنها تكبلها بكل القيود، ثم تطلب منها ان تكون جماهيرية، وأن أى خلاف معها، فإن الحكومة تتهمها بالعنف والإرهاب وأنها إخوان.. متى يكون هناك هامش حقيقى تتحرك فيه المعارضة المدنية الجادة؟
الخبير قال لى: الدولة متوجسة من بعض المعارضة؛ لأن من يدمن التشكيك فى مؤسسات الدولة خاصة القضائية، فهو لا يمارس نوعا من المعارضة، بل يفتح الباب لحالة من الارتباك المجتمعى الشديد؛ لأن مواجهة الإرهاب مثلا تتم بالقضاء إضافة إلى الأمن، والدليل أنه تم تقديم قتلة النائب العام الأسبق للقضاء، وبرَّأ بعضهم، والخلاصة أن التشكيك فى الإنجاز الواضح يعتبر خداعا للجمهور.
ثامنا: وبشأن فكرة التضييق الحكومى التى يتحدث عنها بعض المعارضين، فإن ثقافة المعارضة فى مصر، أصبحت ثورية بمعنى أن الحد الأدنى، أصبح هو الإسقاط والإزاحة الكاملة، وبالتالى فإن رد الفعل المقابل أصبح متوجسا من الأنظمة القائمة، واختفت ثقافة معارضة الإصلاح التى تهدف لتبادل سلمى للسلطة، فتحول الأمر من صراع سياسى لصراع وجودى، وزاد معدل الاستقطاب وإلغاء الآخر، وهنا مكمن الخطر.
انتهى كلام الخبير الذى يعبر إلى حد كبير عن وجهة نظر الحكومة، والحوار ممتد ومستمر بشأن هذا الموضوع شديد الأهمية.