بقلم: عماد الدين حسين
لماذا انشغل غالبية المواطنين العرب بمتابعة سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية يوم ٣ نوفمبر الجارى. وظلوا ملهوفين لمعرفة تفاصيل النتائج أولا بأول، خصوصا فى الولايات المتأرجحة؟!
هذا السؤال طرحه الكثير من المواطنين العرب على أنفسهم وعلى معارفهم وأصحابهم.
شخصيا لاحظت هذا الانشغال، فى أوساط السياسيين والإعلاميين وغالبية المثقفين. وبالصدفة فى اليوم الثانى للانتخابات أرسل لى صديق عربى، وهو فى نفس الوقت مسئول بارز وكبير، فيديو لمسئول عراقى، أعتقد أنه وزير داخلية سابق للعراق، يعلن فيه نتائج الانتخابات الرئاسية أو الاستفتاء على الرئيس الأسبق صدام حسين.
المسئول العراقى يقول فى الفيديو إن عدد المقيدين فى جداول الانتخابات بلغ ١١٫١١٥٫٦٣٨ مليون ناخب، وهؤلاء كلهم ذهبوا للتصويت، ولم يتخلف منهم أحد، وجميعهم أيضا صوتوا بنعم لصدام حسين!!!!!!!!!!.
حينما شاهدت الفيديو واستمعت لكلمات المسئول العراقى الأسبق، وهو يتحدث بكل جدية، لم أعرف، هل أضحك أم أبكى!.
أظن أن مثل هذا الفيديو قد يفسر لنا لماذا انشغل العرب بمتابعة الانتخابات الأمريكية، وفى الوقت نفسه يفسر لنا السر، لماذا «كفر» معظمهم بالانتخابات فى بلدانهم.
لا أعرف كيف قبلت المجتمعات العربية طريقة الحكم هذه، التى جعلت حكامها لا يكلفون أنفسهم حتى بحبك الأكاذيب وإخراجها بصورة بها حد أدنى من الاحترام لشعوبهم؟!!
كيف يمكن لوزير داخلية أن يتبجح ويقول إن جميع الناخبين أدلوا بأصواتهم وجميعهم قالوا نعم؟!
ألا يوجد شخص واحد كان مسافرا فى هذا اليوم أو مريضا جدا أو غاضبا ومعترضا؟!
الله سبحانه وتعالى جلت قدرته، ورغم ذلك فإن البشرية منقسمة بشأنه وأكثر من نصف العالم لا يعترف بالله الذى نعبده.
فإذا كان الأمر هكذا مع الله الواحد الأحد فكيف يتصور حاكم ويفكر أنه كلى القدرة ومحبوب من الجميع، والأخطر كيف يحاول أن يجبر شعبه على تصديق ذلك؟!
وللأمانة لا ألوم صدام حسين ومساعديه فقط من هذا النموذج. غالبية الحكام العرب فعلوا ذلك، ومنهم حافظ الأسد ومعمر القذافى، الذى جعل الدولة بأكملها تتماهى معه.
وحتى فى مصر فإن العديد من وزراء الداخلية فعلوا نفس الأمر، خصوصا مع الرئيس الراحل أنور السادات، وكلنا يتذكر حكاية الخمس تسعات فى المية خلال الاستفتاء على حكمه! مع الإقرار بأنه لا وجه للمقارنة بين السادات وبقية النماذج السابقة، لكن التشابه فى الفكرة التى تجعل الحاكم يتصور أنه ينال إجماع شعبه!! لكن الجديد والغريب أن ترامب فكر بنفس الطريقة التى فكر بها صدام والقذافى وكذلك فإن بعض مؤيديه ينظر إليه كأنه مرسل من السماء!!.
والأخطر أن هناك نسبة لا بأس بها من المواطنين العرب ما يزالون يحنون لأيام صدام والقذافى والأسد، ويقدمون رؤية مضللة بأن أيامهم أفضل كثيرا من هذه الأيام.
قد تكون الحياة كانت أفضل نسبيا، لكننا ننسى أنهم هم السبب الرئيسى فى الحالة المزرية التى وصلت إليها الأمة العربية من تردٍ وفشل وتراجع وجهل واستبداد، وأنه لولاهم ما ظهرت التنظيمات المتطرفة والظلامية والإرهابية.
يتعلق الناس بالانتخابات الأمريكية والأوروبية ويتابعوها، لأن النتيجة تظل معلقة حتى آخر لحظة، وهناك احترام لصوت كل مواطن.
والبعض يخلط بغشومية بين المشكلات التى تواجه بعض الديمقراطيات، كما يفعل دونالد ترامب الآن، وبين فكرة الديمقراطية والتعددية. هؤلاء ينسون أن النفس السوية مفطورة على التعددية والتنوع والاختلاف. المهم أن يتم تنظيم ذلك فى إطار قانونى وسليم محترم، وليس بطريقة التنظيمات التكفيرية والظلامية والإرهابية المتطرفة.
لسان حال بعض المسئولين العرب وهم يتابعون الانتخابات الأمريكية الأخيرة بكل إثارتها يقول: «ألم نقل لكم إن الديمقراطية بها مشاكل، وأن الحل فى الاستبداد، وما الذى يجعلنا ندخل فى كل هذه الصراعات، أليس أجدى أن تلغى الانتخابات من الأساس»؟!
بعد تجارب الشعوب طويلا، فقد ثبت أن الديمقراطية هى أقل الآليات والنظم سوءا. ليس مهما أن تكون على الطريقة الأمريكية أو الهندية أو السويدية أو الصينية، المهم أن يكون هناك آلية للتعدد والتنوع يقبل بها غالبية المجتمع.
نفس الصديق الذى أرسل لى الفيديو بعث لى يقول ساخرا: فين أيام لما كانت نتائج الانتخابات تظهر قبل أربعة أيام من بدء إجراء الانتخابات؟!