بقلم: عماد الدين حسين
فى الرابعة إلا ربع من عصر يوم الأحد الماضى، كان مفترضا أن ألتقى وزير الخارجية الفرنسى جان ايف لودريان مع خمسة من الأصدقاء والزملاء الكتاب والصحفيين، هم عمرو الشوبكى وعلاء ثابت وياسر عبدالعزيز وأكرم ألفى ودينا زهرة، فى فندق ملاصق لمطار القاهرة.
اللقاء تم بمبادرة كريمة من السفارة الفرنسية بالقاهرة، وروعى أن يكون فى نهاية زيارة الوزير الفرنسى، بحيث يغادر بعدها مباشرة عائدا إلى باريس.
قبل اللقاء التقى الوزير الفرنسى مع السفير سامح شكرى وزير الخارجية، ثم التقى مع الرئيس عبدالفتاح السيسى وبعدها مع شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب.
اللقاء الأخير طال أكثر من الموعد المحدد له، ولذلك فإن الوزير الفرنسى جاء إلى لقائنا فى الخامسة والنصف مساء وجلسنا معه ٤٥ دقيقة.
لم يكن اللقاء مؤتمرا صحفيا، حيث إن الوزير فعل ذلك عقب لقائه وزير خارجيتنا فى مقر الوزارة. كان اللقاء محاولة من الوزير ليوضح وجهة نظر بلاده فى الأزمة التى بدأت بذبح مدرس تاريخ فرنسى شمال باريس على يد شاب شيشانى متطرف احتجاجا على قيام المدرس بعرض صور الإساءة إلى نبينا الكريم محمد (عليه الصلاة والسلام) فى الفصل الدراسى.
غالبية العالم الإسلامى بمعتدليه ومتطرفيه غضبوا من التصريحات التى قالها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، وفُهم منها أنه يخلط بين الإسلام كدين والتطرف والإرهاب، وأن ديننا يعانى من أزمة.
نعرف جميعًا أن الغضب امتد إلى غالبية العالم الإسلامى، وأن فرنسا تحاول من وقتها التوضيح بأن التصريحات تم إخراجها من سياقها.
زيارة لودريان كانت فى هذا الإطار، وتم اختيار مصر لكونها واحدة من أكبر الدول الإسلامية، وبها الأزهر الشريف، الذى كان موقفه حازمًا فى هذا الشأن.
كما أن تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، كانت موفقة وواضحة، وخلاصتها أن الحريات لا يمكن أن تكون مبررا للإساءة إلى الأديان والأنبياء.
حينما جاء دورى فى الحديث قلت للوزير الفرنسى: «لماذا لا تتحلُّون بالشجاعة وتعتذرون للعالم الإسلامى عن تصريحات الرئيس ماكرون التى أراها غير موفقة، خصوصًا أن المتطرفين فى عالمنا العربى والإسلامى استغلوها بمهارة لتصوير الأمر على أنه صراع بين الإسلام والمسيحية؟.
الوزير الفرنسى أصر على أن ماكرون لم يخطئ، ولم يتحدث عن الإسلام بسوء، وأن الجميع فهم الأمر خطأ، وأن بلاده تكنُّ كل التقدير للإسلام، وتراه جزءا من تاريخ فرنسا، وأن مشكلتها فقط مع المتطرفين باسم الدين. وهذا المعنى كرره الوزير فى الرد على كل أسئلة ومداخلات الزملاء الخمسة.
هو قال إن اللقاء مع شيخ الأزهر كان طيبا، وأنه تم الاتفاق على استمرار النقاش والتواصل مع الإمام الأكبر، بما يعنى أن الأزمة لم يتم حلها بالكامل، خصوصا أن بيان الأزهر عقب اللقاء كان واضحًا منه أن الإمام الأكبر أسمعَ الوزير الفرنسى كلامًا واضحًا وبلغه صريحة لا تزويق دبلوماسيًا فيها، ومفادها أنه ينبغى التوقف عن الإساءة للدين وللرسول تحت راية حرية التعبير، وأن الأزهر سيلاحق المسيئين أمام المحاكم الدولية.
خلال لقائنا مع الوزير كان واضحًا بأن الدولة الفرنسية لا يمكنها أن تمنع الناس من حرية التعبير أو من حرية الاعتقاد، لكنه قال إن هذه الحرية مسئولية صاحبها، وليست باسم الدولة الفرنسية، وأن كثيرين لا يريدون أن يستوعبوا أن ذلك حجر الأساس فى سياسة فرنسا وهويتها.
ياسر عبدالعزيز سأل الوزير: لو افترضنا أن رسامًا آخر قام بنشر رسوم مسيئة للرسول، هل ستسمحون بها؟ إجابة الوزير كانت نعم ضمنية.
وعمرو الشوبكى، قال له إن هناك مشكلة بأن بلدية باريس الرسمية سمحت بوضع الرسوم على منصاتها، وعلى فرنسا أن تتحاور وتناقش العرب والمسلمين وتتفهم مشاعرهم فيما يتعلق بالرسول ورمزيته، وعلاء ثابت سأله عن دور أردوغان فى إشعال الأزمة، وما هو موقف فرنسا من استفزازات تركيا المستمرة فى شرق المتوسط.
الوزير لودريان يعرف المنطقة جيدا، وهو صديق حقيقى لمصر، وأتصور أنه نجح إلى حد ما فى مهمته، لكن مرة أخرى أتصور أن ماكرون أخطأ من البداية بتصريحاته التى كانت تحتاج فقط توضيحا أو استدراكا يقول: «إننا لا نخلط بين الإسلام والتطرف». وبالتالى فإنه أهدى كل المتطرفين، خصوصا أردوغان، هدية لا تُقدر بثمن، فبعد أن كان غالبية العرب يتحدثون عن مقاطعة البضائع التركية، صار غالبية المسلمين يتحدثون عن مقاطعة البضائع الفرنسية!!!.