بقلم: عماد الدين حسين
بعض المتابعين المصريين لملف سد النهضة الإثيوبى يسألون كثيرا: لماذا لا تلجأ مصر لمجلس الأمن من أجل مناقشة المشكلة، واستصدار قرار ملزم يجبر إثيوبيا على وقف بناء السد، أو على الأقل الاتفاق مع مصر والسودان على آلية ملزمة للملء والتشغيل.
هذا الموضوع مثار حوار طويل وممتد مع الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولى. وتجدد الحوار قبل أيام وخلاصة رأيه فى السطور التالية:
الصديق العزيز
تحية عطرة واحترام واجب لحرصكم الدائم على توضيح المسائل القانونية والواقعية المرتبطة بأخطر القضايا الوطنية التى تمثل محور اهتمام جميع المصريين الشرفاء ولا نبالغ فى ذات الصدد أن النزاع المصرى السودانى الإثيوبى حول سد النهضة، يكاد يكون محور اهتمام جميع الفرقاء فى هذه اللحظة التاريخية الحاسمة فى حاضر ومستقبل الوطن.
إذا كان فقهاء العرب فى معاجمهم قد استخدموا كلمة «المُداهِمة» مرادفا لكلمة «الجَائِحة»، فالأمر ينطبق تماما على مداهمة الوقت، كعامل حاسم لكنه كابح أيضا، فى معرض الحديث عن الخيارات المتاحة لصانع القرار السياسى المصرى، من أجل الوصول لمحطة واحدة طال انتظارها منذ عام 2011، التى تتمثل فى إبرام اتفاق فنى تفصيلى حول كيفية الانتفاع المشترك للدول الثلاث بمياه نهر النيل الأزرق بعد بناء سد النهضة.
اقترح البعض فى معرض الخيارات المتاحة أمام مصر اللجوء لمجلس الأمن، وظن هؤلاء أن من السهولة بمكان أن يصدر مجلس الأمن «قرارا» يلزم إثيوبيا بوقف البناء والتشغيل لسد النهضة، وأن التبرير المصرى الرسمى فى مذكرة التنبيه الرسمية المصرية للمجلس بتاريخ الأول من مايو 2020، بأن من شأن النزاع الثلاثى المصرى السودانى الإثيوبى على سد النهضة أن يؤدى إلى احتكاك دولى، سيلقى فعلا إيجابيا من مجلس الأمن فى جلسته التى انعقدت فى التاسع والعشرين من يونيو 2020 أى بعد ستين يوما بتمامها وكمالها، ولم يتسن لمصر التقدم بطلب لعقد الجلسة المشار إليها إلا بطلب من الإدارة الأمريكية «السابقة».
يدرك المتابعون الجهود الحثيثة التى قامت بها مصر على مستويات مختلفة، بدءا من القيادة السياسية، ثم الدبلوماسية المصرية، وغيرها من مؤسسات تنفيذية فاعلة من أجل إعداد المسرح السياسى لدى الجهاز السياسى التنفيذى لمنظمة الأمم المتحدة «مجلس الأمن»، ولكن ذات الجهاز السياسى وجد ضالته فى الأساس الميثاقى للأمم المتحدة، فضلا عن ميثاق منظمة الاتحاد الإفريقى، فأراح المجلس عن كاهله عبء حتى مجرد المداولات حول النزاع المهدد للسلم والأمن الدوليين وفقا للرؤية المصرية، ولم يشأ المجلس أيضا أن يحيل النزاع لمحكمة العدل الدولية٬ كما أشار البعض، ولم يوص بتوصية محددة لأطراف النزاع تحفظ فى سجل المجلس الرسمى، ولم يكلف حتى الأمين العامة بالتوسط بين الفرقاء، كما لم يوص المجلس بتشكيل لجنة لتقصى الحقائق حول النزاع، ولكن أشار المجلس بالإجماع باضطلاع منظمة الاتحاد الإفريقى باعتبارها التنظيم الإقليمى الكفؤ «قانونا» لتسوية النزاع بين الدول الثلاث.
شهدت الأيام الأخيرة زخما مصريا سودانيا غير مسبوق فى تاريخ العشرية الماضية، ومن المرتقب أن يعرض السودان ومصر معا مقترحات إبداعية جديدة تكبح الغول الإثيوبى الجامح فى البرية، ومنها تدليلا لا حصرا، عرض أكثر من مسودة للاتفاق الفنى المشار إليه، والتعلم من تجربة الاتفاق الإطارى للتعاون مع إثيوبيا عام 1993، والتى لم تدخل النفاذ، فضلا عن مسائل قانونية جد مهمة، ليس مناسبا عرضها فى وسائل الإعلام الموقرة.
وختاما، وأهم من يعتقد أن الملء الانفرادى لسد النهضة وتشغيله بواسطة إثيوبيا، فى قابل الشهور أو السنوات، سيكون نهاية المطاف لمصر، وأن مصر العظيمة يمكن أن تشل إرادتها، أو تغل أياديها، أو تعدم إرادتها.
انتهت رسالة الدكتور أيمن سلامة المهمة وأضيف عليها فقط، أن بعض الدول الدائمة العضوية فى مجلس الأمن، خصوصا الصين لم تكن متحمسة لعرض ملف سد النهضة، فى المنطمة الدولية، لأنه سيحول الأمر إلى سابقة قد تعود عليها بالضرر لاحقا.