بقلم: عماد الدين حسين
ما أتمناه كمواطن مصرى أن يتحول مجلس الشيوخ ــ الذى تشرفت بعضويته ــ إلى ساحة للحوار والنقاش المجتمعى، بصورة موضوعية هادفة، فى كل القضايا التى تهم الوطن، بما يدفع غالبية الناس إلى الاهتمام بالقضايا العامة، ويبعد بعضهم عن أبواق وفضائيات الفتنة والتطرف والإشاعات والأكاذيب.
ظنى الشخصى وبناء على ما سمعته من كثيرين، أن هناك نية صادقة ليلعب هذا المجلس، بجوار مجلس النواب، دورًا مهمًا فى إعادة الاعتبار للسياسة، ولو بصورة نسبية متدرجة.
لو نجحنا جميعًا فى ترجمة هذه النية المخلصة، إلى واقع متجسد على الأرض، فسوف يكسب الجميع حكومة ونظاما وشعبا، وسوف يخسر فى المقابل كل أعداء الوطن الظاهرين منهم والمتخفين.
الواقع الموجود على الأرض منذ فترة ليست بالقصيرة هو أن الكثير من النقاشات السياسية والمجتمعية، تدور فى ساحات وسائل التواصل الاجتماعى، بعيدا عن الساحات الأساسية المخصصة لذلك، وهى البرلمان بغرفتيه والأحزاب والنقابات ووسائل الإعلام الوطنية.
وسائل التواصل الاجتماعى بحكم تعريفها ليست وسائل إعلام، فهى ليست مهيأة لذلك، ولا تملك التحقق من المعلومات كما تفعل وسائل الإعلام التقليدية من صحف وفضائيات ومواقع إخبارية.
الآية انقلبت فى مصر فى السنوات الأخيرة. وسائل التواصل الاجتماعى وبدلا من أن تؤدى دورها الطبيعى، وهو التواصل بين الناس اجتماعيا، قفزت لتلعب دورا خطيرا وتحولت إلى وسائل إعلام، بل وصارت تحدد جدول أعمال المجتمع فى بعض الفترات حينما تقاعست وسائل الإعلام التقليدية عن أداء دورها بفاعلية.
لمجلس النواب دور أصيل فى التشريع والرقابة والمحاسبة، ولمجلس الشيوخ الجديد، وبحكم ما ورد فى بنود تأسيسه العديد من المهام والوظائف التى يمكن أن يؤديها بما يجعله المنبر الرئيسى للحوار المجتمعى فى قضايا متعددة من أول «حماية السلام الاجتماعى» نهاية بـ«توسيد مبادئ الديمقراطية»، وتحت هذين البندين يمكن أن ندرج مئات القضايا والموضوعات.
وبدلا من أن نترك أى موضوع تحت رحمة الكتائب الإلكترونية الموجهة، أو حتى للنقاش العشوائى من قبل غير المتخصصين، يمكن لهذا المجلس أن يلعب هذا الدور، وبمسئولية وطنية.
ما يؤهله لذلك أنه يضم ٣٠٠ عضو يفترض أن معظمهم متخصصون وخبراء فى كل المجالات، من أول السياسة، نهاية بالتعليم والإعلام، مرورا بالقانون والطب والإسكان والفنون.
على سبيل المثال فإنه حينما نفكر فى إصدار قانون مثل التصالح فى مخالفات البناء، وبدلًا من أن يُفاجأ الناس بنصوصه فى أثناء التطبيق، يمكن تحويله أولًا إلى مجلس الشيوخ لمناقشته باستفاضة، بعد توفير بيانات كاملة عن نوعية المخالفات والمخالفين وأحوالهم وظروفهم.
وخلال ذلك تقوم وسائل الإعلام المختلفة بنقل هذه النقاشات، وإضافة المزيد من آراء الخبراء والمختصين بالشرح والتحليل، وبعدها يتم إرساله لمجلس النواب لمزيد من المناقشة، قبل إصداره بصورة نهائية.
لو حدث ذلك فيصعب وجود ثغرات حتى لو كانت قليلة تتيح لبعض المهيجين استغلالها لصب المزيد من الوقود على النار.
ووقتها سيتم التنفيذ والتطبيق على الأرض بأقل قدر من الأضرار، والأهم كسب ثقة الناس، بدلًا من محاولة إظهار الحكومة وكأنها تقوم بالجباية، رغم أنها فى الواقع تحاول فتح صفحة جديدة من البناء المخطط والمرخص، وكذلك تحصيل حقوق الدولة والمجتمع من الذين خالفوا القانون، مع تخفيض قيمة المخالفات على غير القادرين إلى أقل قدر ممكن، أو حتى إعفائهم منها.
لو طبقنا ذلك فى مجلس الشيوخ على كل القوانين المماثلة فإن وسائل الإعلام المصرية ستجد مادة حية وجذابة، وستكون هذه القضايا والجدل الموضوعى بشأنها، هى المادة الخام للبرامج فى الفضائيات ليلًا، وهكذا بدلًا من أن قلة تفكر فى اللجوء إلى فضائيات أجنبية قد تكون معادية، ستجد فى وسائل إعلام بلدها المنابر الأَولى بالمشاهدة، وهو ما يقطع الطريق من الأساس على كثير من المتربصين.
هناك رهان كبير على قدرة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق رئيس المجلس، والوكيلين المستشار بهاء أبوشقة وفيبى فوزى جرجس على استغلال تنوع الخبرات الهائل بالمجلس، بحيث ينعكس هذا التنوع فى الأعضاء والتخصصات إلى واقع سياسى حيوى تحت سقف القانون والدستور والدولة المدنية، وبما يقطع الطريق تماما على المتطرفين والإرهابيين.
مجلس الشيوخ سيبدأ الانعقاد اليوم الأحد للتصديق على لائحته الجديدة، ونتمنى له كل التوفيق، حتى يلعب الدور المنتظر له، وهو إعادة الحيوية للحياة السياسية المصرية.